في الوقت الذي تتواصل فيه محاولات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بعد نحو عقدين من التدخل تحت شعار الحرب على الإرهاب، يثور التساؤل حول مستقبل التعاون بين كل من إسلام أباد وواشنطن، وذلك في الوقت الذي كشف فيه رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، طلب مساعدته في عملية السلام الأفغانية، عبر إقناع حركة "طالبان" بالمشاركة في المفاوضات. واستجابت الحكومة الباكستانية للمناشدة الأمريكية دعما لعملية السلام وتسوية القضية الأفغانية، وذلك بعد أن شهدت الشهور الماضية سجالا حادا بين الولاياتالمتحدةوباكستان على خلفية تصريحات لترامب اتهم فيها باكستان بأنها "لم تفعل شيئًا للولايات المتحدة"، حيث رد رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان بقوة على ترامب في سلسلة تغريدات، قائلاً: "يجب وضع سرد مباشر على خطاب ترامب ضد باكستان؛ أولاً لا يوجد أي باكستاني متورّط في أحداث 11 سبتمبر (2001)، ولكن باكستان اختارت المشاركة في الحرب الأمريكية على الإرهاب". وأضاف: "ثانيًا تكبّدت باكستان 75 ألفًا من الضحايا في هذه الحرب، وخسرت من اقتصادها أكثر من 123 مليار دولار، في حين كانت المساعدات الأمريكية 20 مليار دولار فقط". وتتوق إدارة ترامب إلى أن تمضي محادثات السلام قدما وأن ينتهي الصراع بعد 17 عاما. وفي رده على ترامب خلال السجال الذي جرى قبل عدة أسابيع، قال رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، إنه يتعين على الولاياتالمتحدة إجراء تقييم جاد حول سبب قوة حركة طالبان اليوم أكثر من قبل، بدلا من جعل باكستان كبش فداء لفشلهم. واستعرض عمران خان تضحيات بلاده قائلا: "ثالثا، تم تدمير مناطقنا القبلية، وتهجير ملايين الناس من منازلهم، كما أثرت الحرب بشكل كبير على حياة عوام الباكستانيين"، وفق خان، وتابع قائلا: "تواصل باكستان توفير خطوط اتصلات برية وجوية مجانا. هل يستطيع ترامب تسمية حليف آخر قدم مثل هذه التضحيات؟". وأضاف خان: "فبدلا من جعل باكستان كبش فداء لفشلهم، يجب على الولاياتالمتحدة أن تجري تقييما جادا لماذا حركة طالبان اليوم أقوى من ذي قبل، على الرغم من وجود 140 ألفا من قوات حلف شمال الأطلسي، بالإضافة إلى 250 ألف جندي أفغاني، وتم إنفاق تريليون دولار على الحرب في أفغانستان". وقال الكاتب س. جون في صحيفة "ناشيونال هيرالد تريبيون"، أن الولاياتالمتحدة تضع أهمية قصوى في استراتيجيتها للحرب على الإرهاب ومواجهة تهديد الإرهاب لمصالحها في المنطقة. وكانت باكستان مساعدة مستمرة للولايات المتحدة في أفغانستان وأكثر من ذلك. كانت قوات الولاياتالمتحدة والقوات الأفغانية مع قوات حلف شمال الأطلسي تقاتل طالبان مع باكستان كدعم إقليمي. وحركة طالبان، انطلاقًا من الإحباط المطلق، بدأت في استهداف باكستان في هجمات على مختلف الجبهات. فقد أعلنت وزارة المالية الباكستانية أن البلاد عانت من خسائر بلغت 123.1 مليار دولار أمريكي في الفترة من 2001 إلى 2017. وقد فقد 75000 مدني حياتهم بسبب هذه الحرب. هذا هو الشيء الأكثر أهمية في العالم وباكستان أكثر حليف خير وأكثر حليف ساعد الولاياتالمتحدة في الحرب على الإرهاب. فيما ساعدت من الولاياتالمتحدةباكستان لتعاونها بمقدار 33.4 مليار دولار من عام 2002 إلى عام 2016. واعتبر الكاتب أن عواقب هذا التدخل الباكستاني كانت هائلة وأدت إلى التأثير على استقرار باكستان وأمنها، وتواجه باكستان آثار هذه الحرب على جبهات متعددة، وذكر تقرير نشرته صحيفة "الجارديان" أن محاولة إملاء إدارة ترامب والضغط على باكستان بسبب مزاعم بأنها تؤوي وتؤيد المتمردين، ليست لها دليل على الصحة، وهو ما تكرر فيما أصدره حلف الناتو لبيان مماثل في عام 2006 لكن تم التراجع عنه بسبب عدم وجود دليل ملموس، ونفت الحكومة والجيش الباكستاني هذه الاتهامات مرارًا وتكرارًا، لطالما كان موقف باكستان من السلام في أفغانستان مرتفعا وواضحا لطالما كانت داعية للسلام وقد روجت لدعمها السياسي لإنهاء الحرب الأفغانية. بدأت العلاقات الثنائية بين الولاياتالمتحدةوباكستان في عام 2011 في الهبوط، بعد غارة مفاجئة في أبوت أباد، ما أسفر عن مقتل أسامة بن لادن، وقد وصلت إلى المستوى الأدنى في يناير 2018 عندما علق ترامب مساعدات الولاياتالمتحدة الأمنية لاسلام اباد بزعم ان باكستان لا تتعاون مع الولاياتالمتحدة لمحاربة الجماعات المسلحة. وإذ تنفي باكستان هذا الادعاء، فقد أوضحت أن السلام والاستقرار في أفغانستان مسؤولية متبادلة وأنها بذلت كل ما في وسعها من أجل قضية السلام المعلنة. يرتبط السلام في أفغانستان ارتباطا مباشرا بالسلام في باكستان، ولكن بسبب تزايد النفوذ الهندي في أفغانستان والحدود الأفغانية الباكستانية، فإن العلاقات الثنائية مضطربة. وبعد أن شغل عمران منصب رئيس وزراء باكستان، كانت روايته عن كون باكستان جزءًا من الحرب التي قادتها الولاياتالمتحدة ضد الإرهاب واضحة لقد رفض كل الكلام غير المبرر ضد باكستان. وذكر أن باكستان لن تحمل اللوم على فشل الولاياتالمتحدة، مبديا غضبه من تصريحات رئيس الولاياتالمتحدة دونالد ترامب حول انتقاد دور باكستان في الحرب، حيث رد خان بأن "ترامب بحاجة إلى أن يكون على علم بالحقائق التاريخية، حيث عانت باكستان ما يكفي من القتال في الحرب الأمريكية، والآن سنفعل ما نعتقد أنه أفضل لشعبنا ". وأكد موقفه من أن باكستان، في هذه المنطقة، طرف مهم للغاية لا يمكن تجاهله. وقد سجلت وزارة الخارجية الباكستانية احتجاجًا قويًا ضد المزاعم غير المبررة. على خلفية إدراك ترامب لأهمية باكستان من أجل ضمان "التسوية التفاوضية مع طالبان". أرسل الرئيس الأمريكي ترامب خطاب مصالحة إلى عمران خان طالبا المساعدة في اقناع طالبان على المشاركة في مفاوضات السلام في أفغانستان. استأنف عمران خان التعاون مع ترامب من أجل التحقق السلام في الواقع والخروج إلى الجزء الصحيح من التاريخ. بدلا من دفع الولاياتالمتحدة لتريليون دولار أمريكي وقوة ضخمة بما في ذلك حلف شمال الأطلسي والقوات الأفغانية، لم يمكنها هزيمة طالبان. فإن فهم الولاياتالمتحدة لطالبان باعتبارها وسيطا قويا لا ينضب في أفغانستان، أجبر على التفكير في الخروج المبدئي من "أرض طالبان"، بحسب الكاتب الذي يرى أن الولاياتالمتحدة رحبت بموقف باكستان الداعم لتحركات السلام في أفغانستان، وفي دعم العلاقات بين الولاياتالمتحدةوأفغانستان. وجدير بالذكر أن باكستان كانت قد رحبت بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب خفض القوات الأمريكية في أفغانستان، واعتبرته خطوة نحو السلام في بلاد أنهكتها الحرب. ووصف وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قرشي هذا القرار الأمريكي بأنه "خطوة إلى الأمام" في جهود السلام، وأضاف: "الولاياتالمتحدة أعادت النظر في سياستها (في أفغانستان)، ثم جرت محادثات في أبو ظبي، وأحرز تقدم في المحادثات والأمور تتقدم.. باكستان أفرجت عن معتقلين من طالبان من أجل المساعدة في محادثات السلام و"تهيئة الظروف المواتية". وقرر الرئيس الأمريكي سحب نصف القوات الأمريكية المنتشرة في أفغانستان والتي تقدر ب14 ألفا، في موقف مفاجئ قللت كابول من أهميته، وفي توقيت يشهد تكثيفا للضغوط على طالبان للانخراط في محادثات لإنهاء نزاع مستمر منذ 17 عاما.