أكدت دار الافتاء أن الجهاد - بمعنى القتال - هو في الأصل من فروض الكفايات، لابد أن يكون تحت راية، ويعود أمر تنظيمه إلى ولاة الأمور ومؤسسات الدولة المختصة. وأوضحت دار الإفتاء في فتوى لها، أنه ليس لأحد أن يبادر بالجهاد بنفسه دون مراعاة تلك الضوابط والشروط، وأنه لو كُلف مجموع الناس بالخروج فرادى من غير استنفارهم مِن قِبَل ولي الأمر، لتعطلت مصالح الخلق واضطربت معايشهم. جاء ذلك في بيان "الإفتاء لمفهوم الجهاد في سبيل الله"، ورد الدار على تساؤل هل يجوز منع الابن من الذهاب للجهاد في سبيل الله، سواء أكان في سوريا أو العراق أو الشيشان أو أفغانستان أو فلسطين المحتلة؟ وهل الجهاد في الوقت الحالي فرض عين؟ وهل موقف أحد الوالدين في منع الابن من ذلك موقف شرعي، أو أنه خروج عن طاعة الله عز وجل ومنع من إقامة الفرائض الشرعية كما يقول الابن؟ وأكدت دار الإفتاء أن مصطلح الجهاد في سبيل الله قد يستخدم - كما في كتب الأخلاق والرقاق - بمفهوم أوسع بما يشمل مجاهدة النفس والهوى والشيطان، وإليه أشار الحديث الشهير الذي رواه الإمام البيهقي في الزهد الكبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قَدِم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوم غزاة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «"قَدِمتم خَيرَ مَقدَم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر"، قالوا: وما الجهاد الأكبر؟ قال: "مجاهدَة العبدِ هواه". وأضافت الفتوى أن الجهاد في البلاد المعتدى عليها يرجع لمدى حاجة أهلها، ولا بد فيه من سلوك الطرق الصحيحة؛ كمراجعة الجهات المختصة بواقع الأمور، والمشرفة على تقدير الحاجة من عدمها، والتي تراعي حساب المآلات والنتائج والمصالح والمفاسد المتعلقة بالاعتبارات الإقليمية المفتقرة إلى موازنات خاصة، وليتم الأمر بشكل رسمي محدد المعالم، حتى لا يقع من أخذته الحماسة والرغبة في الجهاد فريسة لجهات مشبوهة، تستغلهم وتوظف حماسهم لخدمة أهداف خارجية باسم الجهاد. وشددت الفتوي أنه يجوز للأب أن يمنع ابنه من السفر بغرض الجهاد، ولا إثم عليه في ذلك، ويجب على الابن المذكور طاعة أبيه، ويحرم عليه مخالفته في مراده ورغبته، لما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يستأذنه في الجهاد فقال: "أحي والداك؟" قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهِد". وأشارت الفتوى إلى رواية أبي داود في سننه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رجلا هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من اليمن، فقال: "هل لك أحد باليمن؟" قال: أبواي، قال: "أذنا لك؟" قال: لا، قال: «"رجع إليهما فاستأذنهما، فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرهما". وأشارت القتوى أيضًا إلى أن الجهاد في الإسلام غايةً إنسانيةً ساميةً، وحكمة إلهية عادلة وهي دفع الظلم والعدوان عن المظلومين، وحماية حق الإنسان في معرفة الدين الحق وحرية اعتناقه؛ وذلك بعد نشر دعوة الإسلام والتعريف بحقائق الدين لمن لم يصل إليه بيان ذلك، ثم إتاحة حرية الاختيار له بعد عرض الإسلام ودعوة الحق عليه بلا إكراه ولا تزييف ولا تشويه.