تولت السيدة عائشة، رضى الله عنها، أمر قيادة الحملة التى رفعت شعار الثأر من قتلة «عثمان»، فهى التى حدّدت من يؤم الناس فى الصلاة، واختارت لذلك عبدالله بن الزبير ابن أختها «أسماء»، ووظّفت مروان بن الحكم للأذان، ومروان «أموى»، وكان من أبرز أفراد بطانة «عثمان»، وهو المتهم بتزوير الكتب على الخليفة وإمهارها بتوقيعه وخاتمه، وقد تسبّب أحدها فى محاصرة الخليفة وقتله. ويحكى صاحب «البداية والنهاية» هذه القصة الغريبة التى وقعت أحداثها أثناء مسير جيش «عائشة» إلى البصرة، ويقول: «وقد مروا فى مسيرهم ليلاً بماء يقال له الحوأب، فنبحتهم كلاب عنده، فلما سمعت ذلك عائشة، قالت: ما اسم هذا المكان، قالوا: الحوأب! فضربت بإحدى يديها على الأخرى، وقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ما أظننى إلا راجعة، قالوا: ولمَ؟. قالت: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول لنسائه: ليت شعرى أيتكن التى تنبحها كلاب الحوأب، ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته، وقالت: ردّونى ردّونى، أنا والله صاحبة ماء الحوأب». رغم تحفّظى على فكرة أن النبى، صلى الله عليه وسلم، كان يتنّبأ بالغيب، فإننى أريد أن أتوقف أمام هذا المشهد الذى حكته العديد من كتب التاريخ الإسلامى، فالقصة تشير إلى أن السيدة عائشة ارتعدت عندما سمعت عواء الكلاب فى «الحوأب»، وتذكرت سؤال النبى، صلى الله عليه وسلم، لنسائه: أيتكن التى تنبحها كلاب الحوأب؟، فى إشارة استنكارية لمسلك واحدة منهن، سوف يرتبط بهذا المكان، وبالتالى فقد وصلت أم المؤمنين إشارة واضحة بأنها ليست محقّة فى الخروج ضد «على»، وقد أوشكت أن تعود أدراجها إلى المدينة بعد هذا الموقف، إلا أن من حولها أثنوها عن ذلك، «وقال لها عبدالله بن الزبير: إن الذى أخبرك أن هذا ماء الحوأب قد كذب». فى كل الأحوال، اختبأت السيدة «عائشة» خلف قميص «عثمان»، الذى اختفت خلفه مصالح ومطامح ومطامع عديدة لتبرير تمرّدها السياسى والعسكرى على الخليفة. والدليل على ذلك أنه بعد فراغ السيدة عائشة، رضى الله عنها، من موقعة الجمل، قالت وهى خارجة من البصرة: «يا بنى لا يعتب بعضنا على بعض، إنه والله ما كان بينى وبين على فى القدم، إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنه على معتبتى لمن الأخيار، فقال على: صدقت والله، ما كان بينى وبينها إلا ذاك، وإنها لزوجة نبيكم، صلى الله عليه وسلم، فى الدنيا والآخرة». المسألة لم تكن تعدو -من وجهة نظر «عائشة»- أكثر من الخلاف ما بين المرأة وحميها، وقد كانت أم المؤمنين تدخر ل«على» موقفه منها فى حادثة الإفك، حينما نصح النبى، صلى الله عليه وسلم، بتطليقها، ثم نزل بعد ذلك الوحى من السماء بقرآن يبرئ أم المؤمنين، رضى الله عنها. المسألة إذاً لم تكن الثأر ل«عثمان»، بل كانت فى الثأر من «على» نفسه.