رجل ثمانينى منكب على يده التى لا تكل ولا تمل من تضفير الخوص المنزوع من سعف النخيل على مدار ساعات النهار. مع بزوغ ضوء الشمس يتحرك الرجل المسن ذو الخمسة والثمانين عاما على حماره الضعيف إلى قرية كفر إبراش بمركز مشتول السوق التابعة لمحافظة الشرقية التى تبعد عن بلده «كفر أبودقن» بعشرة كليومترات قاصدا عائلة القفاصين، مصدره الرئيسى الذى يحصل منه على المادة الخام (سعف النخل)، تكفيه لمدة أسبوع واحد يكرر بعده نفس الزيارة ولنفس السبب أيضا. ورث عم على مهنته عن آبائه وأجداده مع نعومة أظافره وبرع فيها منذ العاشرة من العمر، هذه المهنة التى لا تحتاج إلى كثير من الأدوات والعتاد، كما يقول صاحب المهنة فكل ما يتطلبه الأمر مجرد خوص من سعف النخيل، وأصابع ماهرة تتمكن من صفه ولفه فى ذات الوقت. تمر صناعة عم على بعدة مراحل قبل أن يصل المنتج إلى شكله النهائى، تبدأ بنشر «الخوص» 3 أيام حتى يجف تماما، ثم يوضع فى الماء لمدة 24 ساعة، لكى يكسب ليونه تساعد فى عملية «التضفير أو الغزل» للخوص. «القفة والمقطف» هما منتجات الماهر الثمانينى فقط، تستغرق القطعة الواحدة (القفة) يومين للتصنيع، كما يقول عم على: «يوم كامل تضفير ويوم آخر تجميع وخياطة حتى تصل إلى شكلها النهائى، وتباع فى أسواق القرى المجاورة ب5 أو 7 جنيهات فقط». وبحزن شديد على مهنته التى تواجه الاندثار يقول عم على: هذه المهنة ليست لها علاقة بالمصانع ولا الورش ولا يوجد لها صبيان يتعلمون المهنة وينقلونها إلى الأجيال القادمة، وإنما يتم نقلها بالتوريث للأبناء وإن كانت الفترة الأخيرة قد شهدت عزف أبناء أصحاب المهنة عن توارثها؛ فأبناء عم على السبعة لم يتعلم أحدهم المهنة باستثناء واحد ولم يعد يعمل بها الآن كما يؤكد والده. يرجع عم على سبب العزوف عن هذه المهنة إلى قلة دخلها المادى: «المهنة دى النهارده أصبحت ما بتجيبشى همها ولا تأكل عيش حاف»، مبررا تمسكه بها لأنه لا يحب أن يكون عاطلا، خاصة مع كبر سنه، بخلاف حبه الشديد لها وتوارثها عن آبائه، ويعودالرجل الثمانينى بالعمر إلى الوراء متذكرا أيام شبابه، قائلا: جميع أبناء القرية كانوا يتعلمون هذه المهنة ويعملون بها، وكانت هى المهنة التى تشتهر بها قريتنا، على عكس شباب هذه الأيام.