تذوقني.. شكرا

"عم سلطان رجل ذواق.. و طباخ سمين"، لو حد فاكر.. ده كان درس في رابعة ابتدائي تقريبًا، اسمه "حلو ومر".
الدرس كان بيتكلم عن حاسة من الحواس الخمس، اللي هي (السمع، اللمس، النظر، الشم، التذوق)، كل حاسة وليها درس.. المهم لفت نظري إن في حاجة عجيبة بشوفها في الناس، اللي هي، إن كلنا بنستخدم جميع الحواس إلا حاسة (التذوق)!!، إلا قليل من البشر ممكن يستخدمها، حتي بدون ما يشعر أو بدون قصد منه، أو بدون معنى محدد، المهم إنها في النهاية حاسة مهملة من الجميع على عكس أهميتها.
الحاسة دي الوحيدة اللي مابتتجربش، هي بتتنفذ على طول بدون مقدمات، مش محتاجة أكتر من إنك تفهمها وتنساها، هتحسها مع الوقت.. مع المواقف، هتلاقي نفسك بتنفذها بتلقائية ممتعة.
إنك تتذوق شئ مش سهل، خصوصًا، في الظروف اللي بنمر بيها في حياتنا اليومية من زحمة وصراعات وغيرها من المشاكل، اللي ممكن تشتت عقلك وتعطل إحساسك بالتذوق، لكن ده ميمنعش إنك تقدر تعمل ده لو قررت، بمجرد ما تدرك قيمة التذوق، هتلاقيها موجودة حتي لو في أبسط تصرفاتك، زي إنك تقرأ كتاب وتتذوق تفاصيله، من أول ملمس الورقة لحد محتوى الكتاب وكل حرف فيه، زي إنك تتذوق الكلام اللي بتقرأه دلوقتي حالًا، قد إيه لفت نظرك لجانب جديد في الحياة مكنتش مدركه.
التذوق في الحب، زي إنك تتذوق حبيبك وتبقى حاسس إنك كمان محتاج إن حبيبك يتذوقك بكل تفاصيلك؛ لأن زي ما هو ليه طعم إنت كمان ليك طعم، كل البشر ليهم طعم، وكل واحد مسؤول عن نكهته وطعمه قصاد المتذوقين!!.. وكل واحد وليه طعم، وكل حياة وليها نكهة مختلفة.. وما أجمل أن تتمتع بتذوق حياتك.
الشاعر، ما أصبحش شاعر غير بتذوقه للحظة مرت في حياته.. الرسام، مبقاش رسام غير بتذوقة مشهد جميل مر قدامه.. الكاتب، مبقاش كاتب غير لما تذوق حالة حصلت في خيالة أو في الحقيقة.. والعازف، مبقاش عازق غير لما تذوق لحن الحياة.. وغيرهم، من نوعية البشر الذواقيين.
من غير التذوق، إحنا منقدرش نستمتع بحياتنا.. من غير التذوق ملهاش معنى حياتنا، لكننا أهملنا أهم حاجة بحياتنا، إننا نتذوقها هي نفسها (الحياة)، علشان نعرف نوعها، شكلها، وطعمها، ونعرف معنى السعادة الحقيقي وقتها، ونعرف إزاي نتعامل معاها ونتذوقها، ودي مسألة محتاجين نتعب عليها شوية.
"تذوق كل شئ وأي شئ".. التذوق، مش بس شرط يبقى في الحاجة الحلوة.. التذوق، كمان في الحاجة اللي إحنا شايفنها وحشة.. تذوق فرحك.. جرحك.. ضحكك.. مرضك.. صحتك.. طفولتك.. شبابك.. شيخوختك.. صمتك.. وكلامك.. تذوق، حتى تستمتع بالتذوق نفسه.. تذوق، حتى فنجان قهوة صنع بالطريقة اللي بتحبها.. كوباية شاي على مزاجك تعدل دماغك.
الكاتبة سحر الموجي، قالت في رواية نون "إن مافيش ألم بيعدي علينا إلا وله هدف.. في ناس كتير بياخدها الوجع فبيعدي الدرس قدام عنيها ويفوتها.. وناس تانية في قلب الوجع تبقي عارفة إن دي ولادة جديدة"!!..
حتى الألم عيشه، تذوق دموعك على خدك، تذوق وجعك وحس بروحك بتتوجع، علشان تقدر ترجع تاني وتعيد طاقتك من جديد وتتذوق حلاوة الحياة، إدي كل لحظة وقتها وحقها وعيش أحلى ما في الوقت اللي إنت فيه، وإعرف إن التذوق نعمة ربنا أنعمها علينا كلنا.. لكن مش كلنا بنقدر نستغلها صح.
التذوق متعة.. والمتعة في التذوق.. استمتع باستمتاعك بالتذوق في حياتك، لأن إنت متعتك في الحياة بتيجي من تذوقك ليها.. والسعادة بتيجي من استمتاعك في الحياة، وبعدها تقدر تقول "الحياة منتهى اللذة".
بلاش تخلي الحياة تيجي في يوم تكشر في وشك وتقولك أرجوك.. تذوقني شكرًا!!