رغم ويلات الحرب والإعاقة التي لازمته منذ ولادته لم يستسلم السوري محمد إسماعيل، وراح يجوب المناطق الواقعة بشمال سوريا بحثًا عن ألوان مختلفة من التربة الطينية والنباتات والزهور، ليشكل منها ألواحًا فنية، يعرضها لجيرانه الذين فروا من الحرب هم الآخرين بعد قصف بلدتهم بإدلب. ومع أن العالم من حول ابن ال15 عاما، يعج بالضجيج الذي يحمل بعض التفاصيل التي تساعده على تكوين لوحات ناطقة، إلا أنه تعايش مع إعاقة الصم والبكم وإبدع في رسم لوحات باتت تزين جدران السوريين المحطمة، فيقول محمد ل"الوطن"، إنه منذ أن أدرك أنه صاحب إعاقة لن تفارقه، قرر أن الثورة عليها وينجح رغمًا عنها: "هناك لوحات رسمتها والرصاص يحاصر بيتي فكنت لا أشعر بالعالم من حولي وفي الصباح أدركت أن البيت تم غربلته من الرصاص". لم يكن سهلًا على فنان يحمل موهبة بحجم موهبة "محمد" أن تنمو في بلد يعاني من الإرهاب والجماعات الإسلامية المتشددة، إلا أنه لم يستسلم وأبدع بأقل الإمكانات المتاحة، فلم يستطع جلب ألواح الخشب واستبدلها بقماش ينقش عليه رسوماته التي تعبر عن الطبيعة كرسم السماء والبحار والطيور والزهور. التربة الطينية والنباتات والفحم بكافة ألوانه، كانت تلك الألوان التي يستخدمها "محمد" في رسوماته بعد أن يحولها بطريقة الخلط إلى دهانات مختلفة الألوان والكثافة: "أنا بدأت الرسم وقت الحرب لأن وقتها أدركت أن إعاقتي لن تمنعني من مواصلة الحياة". ويستكمل: "كنا نعيش في جنوبسوريا وبعد ضرب بيوتنا فررنا إلى الشمال، وخلال الرحلة فقدت القافلة التي خرجت معها وشرحت لدورية في الطريق من خلال الرسم عدد الأفراد ومظهرهم وساعدوني في الوصول إلى أسرتي أنا وأخي". الأسود والأحمر والأخضر والبني، جميعها ألوان استخلصها ابن محمد من الطبيعة، حيث الأسود من الفحم والأخضر من النباتات التي تأكلها الأسرة في المنزل، أما البني والأحمر فيخرجهما من الطين: "أخي الأكبر معاق هو الآخر ويجلس على كرسي متحرك أنا أحركه بالكرسي وهو يساعدني في رسوماتي". ويستكمل: "موهبتي أخذتها عن والدتي فهي كانت مبدعة في تطريز ورسم الأقمشة، ولازالت تنمي موهبتها رغم أن لديها 5 معاقين 3 لا يسمعون ولا ينطقون والآخران أصيبوا بالشلل، وأنا وهي وجدنا في الرسم عالم آخر غير الذي نحيا به فهو مليء بأشياء ناطقة نحاورها وتحاورنا".