سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
3 معتقلين سيناوية فى أحداث رفح.. يتحدثون ل«الوطن» عن لحظات الاعتقال والتحقيق والإفراج جميعات: اعتقلونا من خلال قوائم «أمن الدولة» القديمة.. والمحقق قال «عصر الظلم انتهى»..
صباح يوم الجمعة الماضى، وقبل أن تشرق الشمس، دوى صوت خارج منزله الكائن بقلب الصحراء، على أطراف مدينة الشيخ زويد بشمال سيناء، وتعالت أصوات محركات سيارات تتمركز حول المنزل. حيث استيقظ أحمد جميعات - الشاب العشرينى- على تلك الأصوات، وتحرك إلى شرفة بالصالة فى حرص تام، ليصطدم بعدد من ضباط الجيش والشرطة، يأمرونه بالانبطاح. فانبطح وقامت القوات بتقييده، وأمرته بالتحرك نحو سيارة لاقتياده لمكان لا يعلمه. من رهبة الموقف لم يستطع أن يتحدث أحمد إلا جملة واحدة، متسائلا «فى ظلم يا باشا.. الموضوع اللى هتخدونى عشانه».. . فيجيبونه «خلاص مفيش ظلم». قصة أحمد يرويها معه ل«الوطن» 2 ممن اعتقلوا وأفرج عنهم فى حملات المداهمة والمطاردات الأخيرة، لضبط مدبرى الهجوم على الجنود المصريين برفح. «عمرى ما اتعاملت أو دخلت أقسام شرطة قبل كده، أنا شغال ميكانيكى فى حالى، ومليش علاقة بقتل إخوانا الجنود».. هكذا بدأ أحمد جميعان جمعة حديثه، حيث يروى مشهد الاعتقال قائلا «أنا شفت 20 عربية من دبابات لمدرعات لسيارات دفع رباعى، وكلاب بوليس متخصصة فى المخدرات والسلاح، أنا اتفجعت من المنظر أول ما شفته، ووضعوا شريط على عينى حتى لا أرى ما يدور حولى»، ويضيف: بدأت القوات تفتش البيت، وكسروا بابه، وأدخلوا الكلاب لتشم المتعلقات، بينما أمرونا بفتح سياراتنا الواقفة أمام المنزل لتفتيشها، وعندما حاولت زوجتى إبعادهم عنى قالوا لها «لو سمحت يا مدام ادخلى واقفلى على نفسك». وضعت القوات أحمد فى سيارة «بوكس»، واقتادته إلى مديرية شمال سيناء، حيث بدأ التحقيق. ويقول أحمد «أول سؤال وجهوه لى كان (إيه رأيك فى اللى حصل للجنود المصريين وهل يرضيك؟) فأجبتهم (اللى بيحصل لا يرضاه أى مسلم) فسألونى: مين اللى بيعمل الحاجات دى فى الجنود؟، فقلت لهم: والله أنا معرفش.. أنا من البيت للشغل ومن الشغل للبيت»، ويضيف أحمد «كان التحقيق يجرى بأدب، والتعامل معنا باحترام شديد، وطلبوا منا التعاون معهم للقضاء على عناصر الإرهاب والجماعات المتطرفة». رواية أحمد كانت أقل دراماتيكية من روايات أخيه محمد جميعات جمعان جمعة، الذى اعتقل معه فى نفس اليوم. ومحمد شاب ثلاثينى، اعتقل كثيراً فى سجون حبيب العادلى، وكان اعتقاله الأول على خلفية أحداث طابا، حيث يروى ل«الوطن» ما لاقاه من تعذيب: «لم يكن لى يد فى أحداث طابا، لكنهم كانوا يقدموننا كبش فداء للأحداث، فعندما أخذنى جهاز أمن الدولة من بيتى فى الفجر من عدة سنوات، أدخلونى غرفة ونزعوا ملابسى كلها، وعلقونى من قدمى، وعذبونى بالضرب بشدة، وكانوا يعذبوننى بالكهرباء أيضا لكى أعترف بأشياء لم أفعلها»، ويتابع «عندما ظهرت براءتى قالوا لى (معلش دى إجراءات وسامحنا) ولم أجد رداً سوى: سامحتكم، لكى أخرج». يصمت محمد قليلا، ليتذكر لحظة الاعتقال الأخير، ويقول «أول ما شفت العربيات والدبابات اللى جايه تأخدنى يوم الجمعة الماضى، تذكرت ما حدث لى من تعذيب على يد رجال أمن الدولة من قبل». ويحاول محمد أن يجد السبب والمبرر لاعتقاله هو وأخيه. لكنه يرى أن اعتقاله يرجع إلى بقاء آليات النظام القديم، فى البحث والتحرى وانتهاج قوات الأمن سياسة «الاعتقال العشوائى»، ويتساءل: «أنا كان ليا ملف فى أمن الدولة بالظلم عشان تفجيرات طابا وخرجت برىء، لكن قامت ثورة، هل تعود الأجهزة الأمنية وتعتمد على ظلم النظام القديم». المثير أن محمد دخل نفس المكان الذى عذبوه فيه قبل الثورة، ليتذكر أياما سوداء، ويوضح «قلت لنفسى سيأخذونا كبش فداء للحادث»، ويروى أنه خلال التحقيق رفض الكلام إلا بعدما عاهده الضابط الذى يتولى التحقيق بألا يكون هناك ظلم، حيث قال له «العصر القديم انتهى»، ويقول «عندما بدأ التحقيق سألونى: عاجبك اللى بيحصل فى البلد ده قلتلهم عمل إجرامى ولا يرضى ربنا ولا مسلمين»، وأضاف «اللى حصل فى رفح زى اللى حصل فى بورسعيد زى اللى حصل فى كنيسة القديسين، وراهم تجار دم مش من أهل سيناء». ظل محمد فى المعتقل يوما كاملا وخرج، ويصف شعوره عندما غادر مقر الاعتقال «حسيت إنى مصرى وإن فيه عدالة، ودعوت للضباط وقلت ربنا ينصركم». لم يختلف وضع جمال محمد سليمان، الشاب الثلاثينى، المقيم بمدينة الشيخ زويد منذ 16 عاما، ليعمل ميكانيكى سيارات، ويستقر مع أسرته. بدأ جمال حديثه قائلا «سيناء طول عمرها نضيفه وناسها لا يقتلوا جنود مصريين»، ويسترجع ما جرى فى أعقاب الثورة قائلا «لما أهل وادى النيل ظلوا فى المدينة وقت قطع الطرق ونهب وسرقة الأموال، أمنونا أهل سيناء على أرواحنا وأعراضنا، وأمدونا بالطعام والشراب». لا يعرف جمال لماذا اعتقلوه، كل ما يتذكره أنه سمع صوت سيارات بجوار زميله فى العمل جمعة جمعان، فخرج ليعرف ماذا يجرى، فاقتادته قوات الشرطة والجيش واعتقلته، يروى «كنت بقاومهم فكانوا بيضربونى فى كليتى لحد ما وصلت مديرية الأمن.. والضباط صورونى بالموبايلات». ويروى جمال أن المعاملة فى التحقيق وبعد التحقيق كانت «حلوة»، وكان هناك معتقلون كثيرون، كانوا يعاملون بنفس المعاملة «كانت الدنيا صيام وكان الضباط بتفطرنا أحلى أكل، وبتشربنا مياه معدنية». أثناء الاستجواب سألوه عن منفذى الهجوم على نقطة الجيش، وسألوه «تعرف حد منهم؟»، فقال «أنا معرفش حد منهم.. لكن أنا حسيت إن بعد الثورة كان هناك أغراب يسيرون فى الشوارع من حين لآخر، وكانوا يحملون أسلحة ورايات سوداء وشكلهم غريب»، موضحاً أن هؤلاء من الهاربين فى الجبل، ولكن من يجلس فى بيته برىء. وفى نهاية التحقيق، يقول جمال «سألنى الضباط إن كانت معى نقود أم يعطونى، فقلت لهم الحمد لله»، ويختم كلامه قائلا «وأنا خارج حسيت إن مفيش ظلم فى البلد والأمن حس بالشعب».