لم أصدق عينى وأنا أقرأ مطالبة بعض القوى السياسية -ومنها حزب التجمع- للأزهر والكنيسة، بدعوة المسلمين والمسيحيين للتصويت بنعم للدستور! هل هؤلاء، هم أنفسهم، الذين كانوا ينتقدون الإخوان والتيارات الإسلامية لأنهم يستغلون الدين فى عملية سياسية، ليس لها أى علاقة بالدين؟! هل هؤلاء هم أنفسهم الذين انتقدوا مشايخ السلفية عندما قالوا إن التصويت بنعم للإعلان الدستورى فى 2011 يعنى نعم للإسلام؟ إن ما يحدث الآن يعكس تناقض النخبة السياسية فى مصر ويفقدها أى مصداقية لدى أجيال تتشكك فى كل شىء حولها، فيتساوى لديها فكر الإخوان مع فكر مدعى الليبرالية، الذين تتهاوى قناعاتهم وأقنعتهم مع أول اختبار حقيقى لما ادعونه وهم خصوم سياسيون للإخوان! لا أتفق أيضاً مع من يردد أن التصويت بنعم هو دليل الوطنية، كأن من يختار التصويت بلا فاقد لوطنيته، فمن ذا الذى يمنح الوطنية ومن ينزعها؟ وما هى تلك المعايير التى تحدد وطنية مواطن دون الآخر؟! فإذا كنا نتشكك فى وطنية الإخوان، فليس لأن لهم توجها سياسيا مخالفا، ولكن لأنهم يلغون فكرة الوطن، بحدوده، بعَلمه، بنشيده، بجيشه، لحساب فكرة الجماعة والتنظيم الدولى، وهذا يختلف كل الاختلاف عن رؤى من يتحفظ على مواد فى الدستور أو يرى أن مصر تستحق دستورا أفضل من الذى كُتب فى ظروف صعبة وضاغطة كالتى نعيشها!! هؤلاء -شركاء الوطن- يجب أن يكون لدينا الحجة والمنطق لمناقشتهم فيما يعترضون عليه، إذا كنا نؤمن ونثق بأن الدستور الجديد فيه ما يستحق الدفاع عنه. على ماذا نختلف، هم يعترضون على كم مادة، خمس مواد، عشر مواد؟ يعنى تقريبا ثلاثة بالمائة من مواد الدستور، فهل هذه النسبة كافية لنقول لا للدستور، أم نقول نعم للدستور الذى يعطى الحق للبرلمان القادم أن يعدل فى مواد الدستور. لماذا لا نحدثهم عن دستور يحاكم رئيس الجمهورية ويحد من صلاحياته؟.. لماذا لا ندعوهم لقراءة المادة 236 التى تلزم الدولة بوضع وتنفيذ خطة للتنمية الاقتصادية والعمرانية الشاملة للمناطق الحدودية والمحرومة ومنها الصعيد وسيناء ومطروح ومناطق النوبة؟! لماذا لا تتباهون بالمادة 241 التى تلزم مجلس النواب القادم فى أول دور انعقاد بإصدار قانون العدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة والمحاسبة واقتراح أطر المصالحة الوطنية وتعويض الضحايا وفقا للمعايير الدولية. أليس هذا ما يطالب به الثوار؟! لماذا لا تستعرضون المواد الخاصة برفع مخصصات الصحة والتعليم والضرائب التصاعدية التى تؤخذ من الأغنياء للفقراء؟! لماذا لا تقولون لهم إن هذا أول دستور يرضى عنه ذوو الاحتياجات الخاصة والمعلمون والإعلاميون والقضاة والنساء والمسيحيون؟! قولوا لهم ما هو الأحلى والأقوى فى هذا الدستور واتركوا لهم حق الاختيار بنعم أو لا دون أن تنزعوا عن أحد وطنيته أو تؤثروا على الشعب باسم الدين، هذا إذا كنتم تعقلون ولا تريدون تمزيق الوطن أكثر مما هو ممزق!! ■ دعوة للتأمل: للذين يتجادلون حول بماذا نبدأ بالانتخابات الرئاسية أم البرلمانية؟ أدعوهم لتأمل المادتين 162 و230 فى الدستور الجديد لأننى أعتقد أنهما تقولان «السيسى أولا».. عفوا أقصد الانتخابات الرئاسية أولا!