من نافذة صغيرة بمكتبه فى مشيخة الأزهر يطل الدكتور أحمد الطيب على الوضع فى الخارج. من بعيد تصله أصداء المعارك الدائرة عند جامعة الأزهر بين طلبة يناصرون الرئيس السابق، وبين قوات الأمن. حول طاولة الاجتماعات بالمكتب يلتف كبار العلماء فى انتظار أن يرأسهم الإمام الأكبر لينظر فى استقالة «القرضاوى» من هيئة كبار العلماء. يعلن الشيخ استشعاره الحرج فى التصويت على قبول الاستقالة من عدمه، بينه وبين الشيخ الإخوانى ما صنع كل الحدادين فى كل الدنيا، امتنع عن التصويت وصدر القرار بالإجماع بقبول الاستقالة. أكثر من 20 يوماً غاب فيها الشيخ عن المشيخة، تركها ومظاهرات طلبة الأزهر مستعرة فى الخارج لمناصرة الرئيس المعزول، غاب فى قريته بالأقصر قبل أن يتوجه لأسوان لإجراء عملية جراحية فى القلب، آثر الابتعاد فى وقت كان ينبغى أن يوجد فيه وسط الأحداث، لم تكن هذه هى المرة الأولى، فعلها من قبل عند وقوع اشتباكات أمام دار الحرس الجمهورى فى يوليو الماضى بين عناصر من الإخوان وقوات الجيش، ثم قام عند فض اعتصامى «رابعة» و«النهضة»، بإصدار بيان طالب فيه بعدم زج الأزهر فى السياسة، كما طالب من سماهم «أطراف الصراع السياسى» ب«ضبط النفس» و«تغليب صوت الحكمة والعقل ومصلحة الوطن» و«الاستجابة للجهود الوطنية لتحقيق المصالحة الشاملة»، وهى المصالحة التى كان الأزهر قد دعا إليها، ثم نفض يديه منها مع بدء فض الاعتصام. لا تبدو مواقف الإمام الأكبر واضحة تماماً، فلا فصل فيها ولا بيان، رغم كثرة ما يصدر عن الشيخ من بيانات وتصريحات، وحتى الذين تجمعهم وإياه خصومة وعداوة، لا يبدو أن الشيخ مهتم بإعلان موقفه منهم، كذلك فعل مع «القرضاوى» الذى انتقده من قبل لموقفه من «30 يونيو»، حينما كتب ضده المقال الشهير «وقفات مع شيخ الأزهر»، وكذلك فعل مع جماعة الإخوان المسلمين التى شنت عليه حرباً شعواء أواخر حكم الرئيس المعزول، حينما أرادوا إبعاده عن منصبه، وصحيح أنه لم يتخلَّ عن مكانه، لكنه فى الوقت نفسه رفض أن يتخذ موقفاً من «الجماعة» التى ناصبته العداء وأعلنت عليه الحرب. لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، يتجاوزه إلى طلبة الأزهر أنفسهم، منهم من ينتمى لنفس «الجماعة»، ومنهم من يجاهر بعداوة شيخ الأزهر الشريف، ومنهم من يذهب إلى أبعد من ذلك عندما يطالب بإقالة الشيخ من منصبه، تتجمع المظاهرات أمام مشيخة الأزهر، وتتعالى الهتافات، وترتفع الأصوات، والشيخ مشغول بما يعتقد أنه أهم. ربما يطل على المتجمعين من حين لآخر، وربما تصله أصداء هتافاتهم، وقد يخرج فى النهاية على الجميع ببيان جديد يضع فيه رأيه فيما يجرى من أحداث، لكنه لن يقدم على إعلان موقف أو تصحيح مسار.