«ماحدش بياكلها بالساهل خصوصاً إن كان الصيد مهنته».. تبدأ الرحلة اليومية لصيادى مَلّاحات الإسكندرية منذ طلوع الفجر ولا تنتهى إلا مع أذان المغرب، يتخللها الكثير من المتاعب والمفاجآت فى محاولات شاقة للبحث عن كميات كافية من أسماك البلطى والقراميط والحنشة، لتوفر الحد الأدنى من الأموال التى تساعد على شراء السلع الأساسية والخبز وقليل من «الغموس»، رافعين شعاراً واحداً هو «عشانا عليك يا رب». يجلس الصياد القرفصاء فوق «الفلوكة» وهى قارب مسطح على المياه، ليس لها عمق القوارب التى يستخدمها صيادو البحار المالحة، وليس لها ارتفاع جوانبها، معتمدة على سكون المياه وعدم وجود أمواج أو اهتزازات عنيفة فيها، ويلقى الصياد أثناء الجلوس شباكه وأدوات الصيد البدائية التى يتميز بها عن سائر الصيادين فى البحار والأنهار. ل«فلوكة» المَلّاحات خصوصية تميزها عن سواها من القوارب، إذ يتناسب نصف قطرها طردياً مع طولها، على أن يساوى ارتفاع أجنابها 30% فقط من أبعاد الطول ونصف القطر، وهو ما يدركه جيداً الحاج حسنين عواد، النجار الذى يصنع الفلوكة من أخشاب البلوط والسويد وقليل من الزان وتربطها حدايد ومفصلات، بشكل بدائى.. لا يخشى الصيادون وذووهم وأبناؤهم من انقلاب الفلوكة المسطحة والغرق فى مياه الملاحات، لمعرفتهم بأصول السير بها، واستخدام «المآديف» فى دفعها للأمام والتنقل بها من «تبيتة» لأخرى، لفرد الشباك وأدوات الصيد أو شدها لجمع الأسماك وخير المياه. جالساً على ضفاف الملاحات، يقول عيسى راضى: «أدوات الصيد التى نستخدمها وإن كانت بدائية وقديمة بالمقارنة بنظيرتها التى يستخدمها صيادو البحار المالحة، لكنها هى الأنسب فى حالتنا، فنلجأ إلى الشيلب والمحبس والغزل بأنواعه والتبيتات ومظلات الهيش، ولا نستخدم الشباك الحبلية لخصوصية نوعية الأسماك وكمياتها». ويضيف «راضى»: «كنا بنفس هذه الأدوات نتمكن من صيد أكثر من 400 كيلو من السمك فى اليوم الواحد بدءاً من أذان الفجر وحتى قبل أذان الظهر، فالمياه كانت نظيفة وجارية ومتجددة ولا تشوبها شائبة، وتسمح للأسماك بالنمو والتكاثر السريع، أما الآن فالوضع مختلف بسبب إلقاء مصانع البترول والأسمنت لمخلفاتها فيها، فاليوم الأكثر حظاً الآن لا نحصل فيه سوى على 10 كيلو فقط». وتشير «أم محروس»، إحدى زوجات الصيادين والعاملة معه فى الملاحات، إلى الأضرار التى يسببها لهم «الهيش» أو الحشائش والبوص التى تنمو وحدها دون زراعة، مؤكدة أن هيئة الثروة السمكية لا تتحمل مسئولياتها فى التخلص منه بشكل مستمر، وتلقى الأمر برمته على عاتق الصيادين أنفسهم، الذين يجدون أنفسهم مضطرين إلى استخدام أسلوب الحرق وإشعال النيران فيه للتخلص منه، وبخاصة أن استئجار «الكباش» لخلعه وإلقائه فى الخارج يكلفهم مبالغ طائلة، لا يستطيعون إليها سبيلاً. كل ذلك دفع محمد الفار، نقيب الصيادين بالإسكندرية، للمطالبة بزيادة عدد الحفارات لتطهير البحيرة، وتأجير عدد من الحفارات للصيادين، وطرح مناقصة بهذا الشأن لتسهيل مهمتهم فى العمل، وتعظيم الثروة السمكية بأنواعها المختلفة فى البحيرة من العائلة البورية والقاروص والدنيس، بالإضافة إلى تدوير المكن بحوض الألف فدان، وإجبار شركات البترول التى تصب مخلفاتها على المجرى الملاحى على تقنين أوضاعها ومعالجة المياه. وأضاف «الفار»: «مَلّاحات بحيرة مريوط لها أهمية خاصة، حيث تضخ كميات من الأسماك فى الأسواق تساعد على تخفيض أسعار بورصة السمك ومعه اللحوم والدواجن، فضلاً عن كونها مصدر الرزق الوحيد ل5 آلاف أسرة سكندرية، ما يؤكد ضرورة البحث عن حلول مبتكرة وغير تقليدية لإنقاذ أوضاعها وتحسين إنتاجها».