أخرج أبونعيم فى حلية الأولياء وابن عساكر فى تاريخ دمشق عن مطرف بن عبدالله بن الشخير قال: «إنى لأستلقى من الليل على فراشى فأتدبر القرآن، وأعرض عملى على عمل أهل الجنة، فإذا أعمالهم شديدة ﴿َكانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ (الذاريات: 17) ﴿الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً﴾ (الفرقان: 64) ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً﴾ (الزمر: 8) فلا أرانى فيهم. فأعرض نفسى على هذه الآية ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ. قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ. وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ. وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ (المدثر: 42-46) فأرى القوم مكذبين. وأمر بهذه الآية ﴿وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآَخَرَ سَيِّئاً عَسَى الله أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (التوبة/102) فأرجو أن أكون أنا وأنتم يا إخوتاه منهم. يا إخوتاه، اجتهدوا فى العمل، فإن يكن الأمر كما نرجو من رحمة الله وعفوه كانت لنا درجات فى الجنة، وإن يكن الأمر شديدا كما نخاف ونحاذر لم نقل ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ﴾ (فاطر: 37) نقول: عملنا فلم ينفعنا. إن القرآن ليس كلاما يتلى ولا حروفا مرصوصة، ولكنها حروف وكلمات تحمل روحا، إذا أحسن الإنسان التعامل معها دبت فيه الحياة، والمؤمن حقا هو من يحول القرآن من كلمات مقروءة تسمعها الآذان إلى واقع حى وروح حقيقية تملأ القلوب ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا﴾ (الشورى: 52). وبهذا يصير العبد قرآنيا كما وصف النبى (صلى الله عليه وسلم) بأنه: «كان خلقه القرآن». وها هو التابعى الجليل مطرف بن عبدالله يقدم لنا صورة عملية رائعة لهذا المنهج فى تدبر القرآن، حين يذكر أنه حين يلقى جنبه للنوم يراجع نفسه من خلال عرض أحواله على آيات القرآن التى تذكر عمل أهل الجنة من طول القيام والتهجد بالليل بين يدى الله، فيرى أعماله قاصرة عن هذا الأفق السامق الرفيع. ثم يعرض عمله على الآيات التى تستعرض عمل أهل النار، من ترك الصلاة وإهمال المساكين والخوض فى الباطل، فيرى أن الله قد حفظه من التردى إليها. فلا هو مرتفع إلى درجة الأبرار المتقين، ولا هو هابط إلى درجة الأشقياء الخاسرين، ولكنه ممن خلط الصالح بالسيئ، ومن رحمة الله أنه فتح لمثل هذا أبواب التوبة والأمل فى رحمته. ونتابع غدا بمشيئة الله.