من حق من يصفون أنفسهم بأنصار الفريق السيسى أن يدافعوا عن وجهة نظرهم ويهتفوا للمؤسستين العسكرية والشرطية كما يحلو لهم، لكننى لم أفهم مغزى نزولهم إلى التحرير يوم إحياء ذكرى شهداء محمد محمود ومواصلة المطالبة بالقصاص من قاتليهم (19 نوفمبر)، ثم كان ما كان منهم من احتكاك بالقوى الثورية التى احتشدت فى الميدان وشارع محمد محمود لتستعيد ذكرى الشهداء، وهو ما أشارت إليه العديد من التقارير الإعلامية التى أكدت أن من يزعمون أنهم أنصار «الفريق» هم الذين بدأوا بالاحتكاك. وفى تقديرى أن مثل هذه الممارسات تضر بالفريق «السيسى» أكثر مما تفيده، خصوصاً أن عدداً من هؤلاء الأنصار سبق أن حذروا من قيام جماعة الإخوان باستغلال المناسبة والاصطياد فى الماء العكر لإحداث نوع من الفوضى أو الوقيعة ما بين أبناء الشعب تستطيع أن تستفيد منه فى صراعها مع السلطة المؤقتة، وإذا بنا نفاجأ -بعد ذلك- بنزولهم إلى التحرير، بل والتحرش بالمتظاهرين هناك، فى مشهد يمكن أن يفهم منه البعض أن هؤلاء الأنصار هم من يريدون إحداث نوع من الفوضى فى البلاد بهدف تحقيق غرض ما فى أنفسهم! أنصار «السيسى» يظنون أنهم يخدمون الفريق بما يفعلون، لكنهم لو وقفوا مع أنفسهم قليلاً وفكروا فى الأمر بعمق أكبر لأدركوا أنهم يضرون الرجل أشد الضرر وهم يفعلون ذلك. الرسالة التى أراد «السيسان» نقلها إلى المصريين بالاشتباك مع الثوار يوم الثلاثاء الماضى شديدة السلبية من عدة وجوه: أولها أن تمحكهم بصورة «السيسى» التى رفعوها فى تظاهراتهم يضعه فى موقف حرج أمام ثوار يناير الذين شاركوا بقوة وبوطنية وإخلاص فى الموجة الثالثة للثورة فى 30 يونيو حتى أطاحوا بحكم الإخوان، حين يدفعونهم إلى الظن بأن «السيسى» هو عراب مهمة القضاء على ثورة يناير 2011، وإحياء دولة «المخلوع» التى ثار المصريون ضد قمعها وفسادها وعجزها عن حل مشاكلهم، وثانيها أن أنصار «الفريق» نزلوا بأعداد قليلة بشكل لافت، فأعطوا انطباعاً بوجود نوع من التآكل فى شعبية «الفريق»، وبالتالى فقد كان من الأفضل لهم ألا ينزلوا طالما لم يرتبوا للأمر حتى لا يضروا الرجل، وثالثها إقدام من يصفون أنفسهم ب«أنصار الفريق السيسى» على الاعتداء على متظاهرى التحرير ومحمد محمود -كما أكد عدد من المراسلين المصريين- واستخدام المولوتوف والعصى والحجارة فى ذلك، فبدوا وكأنهم مجموعة من البلطجية، مثلهم فى ذلك مثل من يصفونهم ببلطجية الإخوان الذين يروعون المواطنين الآمنين.. إننى أخشى أن يكون شهر نوفمبر بالفعل شهر المفاصلة بين ثوار يناير وأنصار الفريق السيسى، وسيكون لهذا التحول تأثيرات نوعية على مسارات المشهد السياسى خلال الأسابيع المقبلة.. فالبقية -حتماً- سوف تأتى! اللعبة خطرة وقد لا تكون فى صالح من يظن أن بيده مقاليد كل شىء.. «إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا».