ربما يعد أكبر تحدٍ يهدد بلادنا اليوم هو إمكانية التصدى للفتن الطائفية وكيفية القضاء عليها بعدما تجدد اشتعال هذه النيران مرة ثانية هذه الأيام باندلاع اشتباكات أحداث دهشور وأحداث الكورنيش بالنايل سيتى وهذا فى حقيقة الأمر عبث باستقرار الوطن وأمنه ومحض فساد وإفساد فى الأرض تأباه الشرائع السماوية والفطرة السليمة، فالله -سبحانه- لا يحب الفساد وقد حدثت فى عهد عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- قصة شبيهة بحادثة دهشور فقد كان هناك خادم يهودى لامرأة مسلمة وكان يسوق بها الحمار، فنخس الحمار عن قصد منه فارتعش الحمار فسقطت المرأة، فوقع عليها وماتت المرأة المسلمة، فماذا فعل أهل هذه المرأة، هل قاموا بقتله، هل قاموا بتهجير اليهود - فقد كان أميرهم هو الذى يحكم البلاد آنذاك -هل حرقوا وخربوا؟ والجواب لا وإنما اتبعوا أسلوبا رشيدا فى التحاكم -ليتنا نتأس به- فقد ذهبوا إلى عمر بن الخطاب -وقد كان أمير المؤمنين آنذاك- فأمر بقتله (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) وانتهت المشكلة من جذورها دون عنف أو تخريب أو تهجير، إلا أن المشكلة عندنا هى فى (ثقافة العقوبة الجماعية) فنتعامل مع مرتكب الجريمة كأن الطائفة هى التى ارتكبت الجريمة وهذا هو معنى الفتنة الطائفية، كذلك غياب القانون وتخلف الدولة عن القيام بوظيفتها من ضبط للأمور ومنع التجاوز وفرض عقوبة على المعتدى وأن يأخذ القانون مجراه بغض النظر عن العرق والدين والجنس وأن يتوخى الإعلام الدقة والتحرى والمصداقية فى كل ما ينشره وألا يهول من الأمور فقد باتت الآثار واحداً من أهم محاور الخطاب الإعلامى وهذا نذير كارثة، فثقافة الرأى العام تتشكل من الإعلام كذلك لماذا يحرص الإعلام على أن يزعج مسامعنا صباح مساء قائلاً: (لقد اعتدى مسيحى على مسلم ) لماذا لا يقول اعتدى مصرى على مصرى، ألسنا نعيش فى وطن واحد ونشرب من ماء نيل واحد، لماذا نحول الصدام بين مسلم ومسيحى إلى صدام بين دين ودين، إن صورة المسيحيين وهم يعطون التمر والماء قبل الإفطار لجنودنا من المسلمين فى رمضان الماضى بميدان التحرير لا تكاد تفارقنى لما فيها من معانى التسامح والوطنية وأرى أن مثل هذه الأحداث بالذات (دهشور وغيرها) لا بد أن نتعامل معها بمنتهى الحزم والصرامة وإلا سندخل نفقا مظلما يقودنا جميعا إلى الهلاك، إن مثل هذه الأحداث تلقى بظلال الخوف والذعر على استقرار هذا الوطن، كما أن الاستسلام لفكرة الفتن الطائفية يمزق نسيج هذا الوطن ويمزعه ويجعل دماء الناس مستباحة يقول الدكتور عبدالله دراز (إن الإسلام لا يكف لحظة واحدة عن مد يده لمصافحة أتباع كل ملة ونحلة فى سبيل التعاون فى إقامة العدل ونشر الأمن وصيانة الدماء أن تسفك وحماية الحرمات أن تنتهك ) وهذا يعنى أن رعاية الحق وإقامة العدل أساس أى دولة لكى يكتمل بنيانها وما أبلغ هذه الوصية التى أوصى بها على -رضى الله عنه- لواليه على مصر حيث قال له: (أشعر قلبك بالرحمة للرعية والمحبة لهم، فإنهم صنفان: أخ لك فى الدين أو نظير لك فى الخلق) وها هو المستشرق الإنجليزى توماس أرنولد نراه يقول: (إن العرب المسيحيين الذين يعيشون فى وقتنا هذا بين جماعات مسلمة لشاهدة على هذا التسامح)فلماذا تخلفنا مسلمين ومسيحيين عن هذه القيم واتخذنا من العنف طريقا وما أجمل ما قاله الكاتب الأمريكى المعاصر أندرو باترسون (إن العنف باسم الإسلام ليس من الإسلام فى شىء، بل إنه نقيض لهذا الدين الذى يعنى السلام لا العنف)لعن الله الفتنة ولعن من أيقظها ونسأله -سبحانه- أن يقينا الفتن ما ظهر منها وما بطن.