قضية الإهمال الطبى موضع نقاش ممتد لأكثر من عشرين عاماً، ومع ظهور حركات منظمة يقودها الأطباء تطالب بتحسين المنظومة الصحية بما فيها دخل الأطباء والنضال الذى وصل إلى إعلان الإضراب عن العمل لتوفير رعاية صحية وبيئة عمل مناسبة للأطباء حرصاً على مصلحة المرضى - استبشرنا خيراً واصطففنا جميعاً مع الأطباء لإصلاح المنظومة الصحية كاملة. وفى الحقيقة أن المنظومة الطبية لا بد أن تبدأ بضمير الطبيب قبل راتبه، ولهؤلاء جميعاً ولوزيرة الصحة أعرض هذه القصة وهى واحدة من الآلاف التى تؤكد أن معركتنا كمواطنين للوصول إلى الصحة ليست واحدة مع الأطباء. «ف. أ» سيدة مصرية لديها أربعة أبناء، كبيرهم عشر سنوات وصغيرتهم وليدة عمرها أقل من شهر، فاجأها ألم حاد منتصف الليل، وأمام صراخها لم يملك الزوج إلا حمل الوليدة التى لا يستطيع تركها على إحدى ذراعيه ومساعدة الزوجة على الحركة باليد الثانية، ومع صراخها المتواصل تفهمت كل لجان الحظر لتفسح لسيارتهما الطريق، وصلت السيدة التى تقطِّعها الآلام إلى مستشفى الزراعيين، أكد طبيب الطوارئ ضرورة عمل سونار لمعرفة سبب الآلام الشديدة، ولكن لا يوجد طبيب للسونار، اضطر الزوج إلى حمل زوجته وطفلته والذهاب إلى مستشفى القصر العينى الجديد، ولكن لا يوجد أطباء يقومون بالكشف فضلاً عن أن المستشفى أنهت تعاقدها مع نقابة الزوج لأسباب مالية وبالتالى عليهم دفع مبلغ محترم قبل دخول المستشفى! استكملوا رحلتهم إلى مستشفى عين شمس التخصصى، وفيها بدأ فصل من الإهمال والأخطاء التى تصل إلى جرائم، فبعد فحص ومحص وتحليل اكتشف أن لديها حصوات فى المرارة تحركت إحداها إلى القناة المرارية، الأمر الذى أدى الى التهاب شديد فى الكبد والبنكرياس، ويستدعى الأمر إجراء عمليتين؛ الأولى منظار لتفتيت الحصوة فى القناة المرارية، والثانية عملية استئصال للمرارة نفسها، «هكذا قال الأطباء». وكانت المفاجأة عند غرفة العمليات أن رفض طبيب التخدير القيام بعمله بعد أن راجع تقرير المريضة ووجد أن إنزيمات الكبد مرتفعة بدرجة لا يمكن معها أن يقوم بتخدير الحالة وإلا ماتت فى الحال، والسؤال كيف يغفل الطبيب المعالج عن هذه الحقيقة العلمية البديهية؟! بعد يومين استقرت الحالة وجاء ميعاد العملية للأسف يوم أربعاء، لكن الطبيب اعتذر عن الحضور وسيادته وغرفة المنظار إجازتهم الأسبوعية الخميس والجمعة، لتظل الأم المسكينة والطفلة الوليدة والأب الحائر معلقين فى المستشفى دون تقدم، وعلى المريض وعائلته مراعاة فروق التوقيت والدفع بلا نقاش فاتورة المستشفى. فى بداية الأسبوع التالى تم إدخال المريضة غرفة العمليات وتخديرها، وفى منتصف العملية تعطل الجهاز، لتعود المريضة إلى نقطة ما قبل الصفر ولا يمكن تخديرها مرة أخرى قبل ثلاثة أو أربعة أيام، «هكذا قالوا»، وعلى المريضة التى لا تأكل ولا تُطعم وليدتها والزوج التارك عمله وأولاده الصغار والوليدة التى عمرها أقل من شهر - مراعاة فروق التوقيت وحق الأطباء فى إجازة نهاية الأسبوع الثانى ودفع الفاتورة كاملة فى المستشفى التخصصى. لو كان الأطباء شعروا بألم المريضة أو اهتموا برفع معاناتها وأزمة أبناء صغار فى المدارس ومأساة زوج إنسانية ومالية والطفلة الوليدة التى أمام أعينهم حُرمت من حق الرضاعة الطبيعية - ربما لم يكتفِ الطبيب المهمل إلى حد الإجرام بمجرد الاعتذار، ولم يكتفِ الطبيب مدير المستشفى بالحديث عن الظروف والإمكانيات مع طلب دفع فاتورة أسبوعين بما فيهم إجازة «الويك إند للدكاترة» دون تقدم يذكر فى الحالة الصحية للمريضة! عفواً يا أطباء، معركتنا كمرضى ليست معكم، بل ربما تكون ضدكم.