حارة صغيرة متفرعة من شارع الخرنفش بالجمالية توجد بها عدة ورش، كلها تعمل فى خدمة النحاس، بدءا من «تخريطه» وتشكيله، وصولا إلى نقشه وتلوينه. يكسر هدوء المكان صوت دقات وطرقات متكررة على قطع النحاس. ترك نصف «صنايعية» الحارة مهنهم بعد أن ضاق بهم الحال ويئسوا من قدوم الزبائن بعد أن أعلنوا استسلامهم لاستغلال التجار. فى نهاية الحارة توجد ورشة فى دور أرضى تفيض منها المياه وتتسرب إلى بلاعة موجودة أمامها. بداخل الورشة يوجد عدد من العاملين من أعمار مختلفة. درجة حرارة المكان مرتفعة جدا يهرب منها الصنايعية إلى الخارج لاستنشاق هواء جديد كلما سنحت الفرصة ثم يعاودون الدخول إلى الورشة مرة أخرى، طبيعة عمل هؤلاء هى تلوين النحاس. مهنة تحتاج إلى خبرة ومهارة فائقتين، وتتم بطرق كيميائية عديدة. يقول صاحب الورشة، عمرو الطلة: «تأتى قطع النحاس إلى النقاشين رقعا صغيرة بعد تشكيلها وتقطيعها بالمخرطة حسب الفورمة التى يريدها الزبون، ثم تأتى النتيجة النهائية على شكل أباجورة أو إبريق أو فانوس، وبعد النقش تذهب إلى مرحلة التلوين». تعتبر منطقة الخرنفش أصل صناعة النحاس بعد أن انتقل اليها عمرو من شارع النحاسين بعد دخول الآلات فى صناعته وتشكيله، لكن كل المهن التى تخدم هذا الفن تأثرت بشكل كبير بعد قيام الثورة، وهو ما دفع عددا كبيرا من أمهر الصنايعية إلى ترك المهنة ليعملوا فى مهن أخرى لا علاقة لها بهذا الفن «زى السواقة». منطقة الخرنفش مرت بفترة ركود طويلة «والشغل يا دوب على القد»، يتذكر عمرو: «أحيانا لما بنام بحلم إنى ماسك حتة نحاس فى إيدى وبشتغلها.. عشمنا فى ربنا كبير». يضيف عمرو: أعمل بهذه المهنة منذ 6 سنوات. وهى آخر مرحلة من مراحل صناعة أنتيكات وتحف النحاس. فى البداية نقوم بتشطيف قطعة النحاس ب«الرابسو» مع الماء الساخن ونخلصها من الزفارة التى تنتج عن اللحام و«التجليخ» على أن تظل بالبرميل لمدة 5 دقائق، ثم نخرجها ونضعها فى ماء نظيف ثم نضعها فى ماء الناتريون ثم يدخل حوض النيكل ويستمر به لمدة 7 دقائق. المواد المستخدمة فى حوض النيكل عبارة عن تركيبة كيميائية يقوم مهندس متخصص بتجميعها اسمها «تركيبة النيكل»، وهى مكونة من ملح وبودرة ونيكل ومواد أخرى. بمجرد تسخين المياه يتم وضع جهاز اسمه «قنوط النيكل» يعمل على تجميع النيكل وإعادة توزيعه بالحوض من جديد نترك المعدن بهذا الحوض بضع دقائق ولا نخرجه حتى يكتسى لونه بالأبيض حتى نضمن إزالة كل الألوان الناتجة عن النقش واللحام يتم تعليق القطع النحاسية فى قائم أفقى يتحرك حركة ديناميكية داخل المياه. وبعد أن نخرجه من حوض النيكل نقوم بتشطيفه فى المياه النظيفة مرة أخرى حتى يكون جاهزا لوضعه فى حوض الفضة ثم إن حوض الفضة توجد به مواد كيميائية بعضها سام مثل مادة السريون، بجانب خام الفضة الذى نقوم بحله ونتركه مع المياه الساخنة لتتفاعل معه وتتحرك داخل الحوض أيضا فى حركة ديناميكية. ويتم إخراجها من الحوض بعد 10 دقائق وتجفف من المياه بسيبداج وذلك لضمان عدم «تبقيع» قطعة النحاس ببصمات اليد ثم تشطف مرة أخرى بالماء النظيف وهو يجرى باستمرار لا يتوقف؛ لأنه لا بد أن يكون نظيفا طوال الوقت. بعد أن يشطف بالماء يتم تجفيف قطعة النحاس بالنشارة الناعمة جدا ثم تدخل آخر مرحلة وهى التلميع بالفرشاة التى تعمل بشكل آلى. أمسك عمرو بفانوس نحاسى قديم يعتبر من التحف الفنية الرائعة لكن علامات الصدأ والتآكل طغت على شكله وأفقدته رونقه، ثم قال خلال ساعة واحدة نستطيع أن نعيد هذا الفانوس إلى لونه الطبيعى «وهتشوفه وهو بيبرق من اللمعان».