«افتكاسة» جديدة تمخضت عنها قريحة الحكومة الحالية برئاسة الدكتور «الببلاوى»، لكنها عالية جداً هذه المرة.. ففى آخر اجتماع له يوم الأربعاء الماضى كلف مجلس الوزراء وزراء العدل والاستثمار والعدالة الانتقالية بإعداد إطار تشريعى لحماية تصرفات المسئولين بالدولة التى تتم دون ارتكاب أى خطأ شخصى منهم أو مخالفة للقانون، على أساس أن المبادئ الأساسية فى الدساتير ومبادئ حقوق الإنسان تنص على أن العقوبة الجنائية شخصية ولا يعاقب بها إلا الشخص الذى ارتكب الفعل الجنائى، وعلى ذلك فلا توقع عقوبة جنائية على شخص لم يرتكب بنفسه أى مخالفة جنائية. ماذا يعنى قانون «حماية تصرفات المسئولين»؟، إنه يعنى ببساطة أن «المسئول» لم يعد «مسئولاً»، فليس من حق أحد أن يسأله فيما فعل إذا انتفى القصد الجنائى وتوافر ركن حسن النية فيما قام به. ومن المؤكد أن القصد لن يكون موجوداً والنية خير بإذن الله، وبالتالى انسَ أن يحاسب مسئول على أى خطأ أو جرم ارتكبه. فمن يخصص أراضى لمستثمرين أو يمنح قروضاً بنكية لرجال أعمال دون وجه حق يعفى من المساءلة، لأن المؤكد أن نيته كانت خيراً، وأنه أراد تنشيط الاستثمار وزيادة عدد المشروعات بمصر حتى تصبح مصر سخاء رخاء، وحتى لو تورط أو تسبب المسئول فى قتل العشرات أو المئات أو الآلاف فلا يهم، لأن حسن النية متوافر، خصوصاً إذا كان يفعل ذلك بهدف تهدئة الأوضاع وخلق الاستقرار الذى يؤدى إلى ضخ مزيد من الاستثمارات فى مصر!. المشكلة الوحيدة فى «الافتكاسة الببلاوية» الجديدة أنها تعكس نظرة غير إيجابية للمسئولين المصريين الذين سيستفيدون منها، سواء كانوا وزراء أو محافظين وغيرهم، لأنها تنفى صفة الوطنية أو الانتماء إلى هذا الوطن عنهم. فالمسئول الوطنى يتخذ القرار الذى يجد فيه صالح البلاد والعباد دون أن يخشى الخضوع للمساءلة، لأنه يثق -فى حالة السؤال- فى قدرته على تبيان وجه المصلحة والقيمة فى القرار الذى اتخذه. أما المسئول -غير الوطنى- الذى ينوى الفساد والإفساد والتخريب، فإنه يبحث عن تحصين نفسه، لأن رأسه تزدحم بالبطحات طيلة فترة مسئوليته. من الواضح أن المسئولين الحاليين تعلموا الدرس من مسئولى دولة «المخلوع» الذين تعرضوا للمساءلة القانونية بعد ثورة يناير، ورغم أن الكثير من القضايا التى حوكموا فيها كانت «فشنك»، وأغلبهم الآن ينعم خارج السجون ويستمتع بتلال الأموال التى جناها ب«حسن نية» طبعاً، إلا أن المسئولين الحاليين لا ينسون أبداً أن هؤلاء «العالَم الكُمَّل اتشحططوا فى المحاكم». لذلك اتجه أبناء «الببلاوى» إلى تحصين أوضاعهم، فى ظل انتشار عدوى التحصين هذه الأيام!. المسئول أصبح غير مسئول.. لأنه «مغسّل مش ضامن جنة» يكفيه جداً أن تكون نيته «خير» ويطلب للميت المغفرة والرحمة من ربه، تلك هى النظرية الجديدة فى التعامل مع المسئولين إذا صدر هذا القانون، وهى نظرية يصح أن نصف من اخترعها بأنه حالم جداً أو على رأى «ظاظا»: «كوزه عالى أوى».