فتاة قادمة من المحلة الكبرى، لم تلهُ في الشارع مع قريناتها، بل كانت تنعزل عنهم مع الألوان التي لامست شغاف قلبها، حتى ملأت عليها حياتها منذ الطفولة، وبات عشقها الوحيد هو الرسم والتلوين، حتى انعكس ذلك العشق في صور مختلفة. اسمها سمر الجيار .. تبلغ من العمر27 عاماً، بدأت منذ حداثة سنها بالتعبير عما يدور حولها من أحداث ومشاعر باستخدام الخطوط والألوان، والتي رأت فيها الوسيلة الأبلغ من الكتابة، حتى صارت صديقة لهما تأتمنهما على أسرارها. تقول سمر:"إن مراهقتها شهدت إصابتها بنوع من أنواع الهلع الغريب، وهو الهلع من منظر الورق الأبيض؛ لأنه كان يذكرها برغبتها الملحة في الرسم، ويذكرها بجفاف قريحتها وشعورها بالذنب على الجانب المقابل، إذا ما رسمت وأضاعت وقتًا ثمينًا يجب استغلاله في المذاكرة، فلم تستطع الرسم إلا علي هوامش الكتب والدفاتر، العجيب أن هذه الأيقونات الصغيرة المرسومة علي هوامش الورق الأصفر للكتب حولتها سمر بعد عدة سنوات، إلى لوحات زيتية وجرافيك حازت علي إعجاب من شاهدها سواء الجمهور العادي أو من الأكاديميين. وأكدت أنها واجهت صعوبة كبيرة في ترويض موهبتها كي تحولها إلى مصدر للرزق، مشيرة إلى أنها نجحت في هذا الأمر لعدة سنوات، حيث عملت في مجال تصميم التطريز الإلكتروني وتصميم الملابس، ثم توقفت نهائيًا عن العمل في تلك المجالات لإحساسي بالخزي لأنني لم أعد مبدعة كسابق عهدي. نعم والكلام لا زال ل سمر هذه المجالات تتطلب إبداعًا، لكن الأصالة في الفكرة والإبداع ليس مطلوبًا في معظم الشركات في مصر". وأوضحت الجيار أن سنوات عدة قد مرت دون أن ترسم إلا القليل من اللوحات و"الاسكتشات"، فلم تكن لديها الطاقة الإيجابية للرسم، وعللت سبب إحباطها بأن سنوات انقطاعها عن الرسم الإبداعي، جعلها تفقد علاقتها بأناس كانوا يساعدونها على عرض أعمالها، فهي تعاني من الطريقة التي تستطيع من خلالها أن تنشر أعمالها دون معارف. وتضيف:"إن العودة إلى الرسم من جديد كان باندلاع ثورة يناير عام 2011، إذ شعرت أنها استعادت قدرتها على الإبداع؛ فبدأت رسم الكاريكاتير بضراوة؛ لأنه مع بداية الثورة أحست أن الرسم نوع من الجهاد، يحمل رسالة تشحذ همة أو تعري حقيقة وتقدمها بشكل مكثف، لمن لا يمتلك الكثير من الوقت ليقرأ المقالات، فالكاريكاتير يقدم الخلاصة مباشرة دون مقدمات، وأيضًا كان في ممارسة الكاريكاتير بشكل حر وهجومها على أشخاص بعينهم بانطلاق، تعبيراً عن رأيها بشكل خطير قد يعرضها للسجن، وقام ذلك بدغدغة لغريزة حب المغامرة والتضحية من جهتها، الأمر الذي دفعها إلى عدم التوقّف عن الرسم. وتابعت:"آخر الاقتحامات لها لعالم الرسم كان عبر فن الرسم على الحوائط، المعروف "بالجرافيتي"، إذ طبعت تصميمات عفوية رسمتها على الورق المقوى، ولم تقم بالطباعة والتفريغ كما جرت العادة كي يظل العمل يدويًا وعفويًا، وطبعت تصميمان علي سفارة إسرائيل يوم7/9/2011، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها أسلوب الطباعة والإسبراي، لا الرسم بالألوان الزيتية. وتصف سمر حالة الناس من حولها في هذا اليوم فتقول:"كانت الناس تمر علينا بين متعجب ومشجع، أو رجل أمن متوجس يتحدث في اللاسلكي . استمتعت بالمغامرة وبسبي لإسرائيل ويقيني أنهم سوف يرون السباب، واستمتعت كثيرًا لعودتي إلى فن الشارع بعد انقطاع سنوات، وكنت سعيدة لأنني قابلت شبابًا ثوريا يحب الفن ولا يخشى أن يعبر عن رأيه أيا كان شكل هذا التعبير." وعن المعاناة التي تقابلها سمر في رسمها، تقول إن المعاناة تكمن قبل خروجها للرسم، فأهلها يخشون عليها من مغبة ما تقدم عليه، لاسيما مع اختفاء كل عوامل الأمان، مشيرة إلى أن المرة الوحيدة التي عانت فيها كانت حين كتبت "يسقط يسقط حكم العسكر" على الجدران وواجهت سخرية بعض الأشخاص الذين قالوا لها:"حرام عليكم حتخربوا البلد"، وكان ذلك متزامناً مع أحداث مجلس الوزراء، موضحة أن الذي جعلها ترابط في مكانها وهي ترسم قيام أشخاص آخرين بتشجيعها وطلبوا منها عدم التوقف؛ لسمو غاية الرسم. أكثر ما يؤلم سمر هو طمس معالم الجرافيتي الذي تقوم برسمه، والذي يكون معظمه في ميدان التحرير، الذي ترسم فيه بالتعاون مع مجموعة جرافيتي الثورة. سمر الجيار كرهت السياسة طوال حياتها، والشيء الوحيد الذي جعلها تهتم بالسياسة، وتعبر عنها بشتى أنواع الرسم: ثورة يناير. تقول:"إن الثورة جعلتها توسع دائرة اهتمامها، إذ لم تعد ترسم فقط عن أغوار النفس البشرية التي تحب التعبير عنها، بل أصبحت ترسم عن المصريين كوحدة واحدة، وعن الثوار والشهداء، وستعود إلى رسم الإنسان عمومًا عندما تخفت قليلاً المشكلات السياسية في البلاد. تتحدث سمر عن عيشها في حالة وحدة من قبل الثورة، فلم تجد كثيرين ممن يتوافقون مع اهتماماتها، لكن أثناء الثورة توطدت علاقتها بالكثير ممن كانت تعتبرهم مجرّد معارف عبر مواقع التواصل الاجتماعي: "فيس بوك" و "تويتر"، حتى انتقلت علاقتهم من الفضاء الالكتروني، إلى أرض الواقع، والاجتماع من أجل الرسم؛ لإعلاء كلمة الثورة. تنهي سمر الجيار حديثها قائلةً:"أحيانا أتباهى بأن الجرائد تتجاهلني، حيث إنهم لا يجرؤون على نشر رسومي، فهي تنتمي إلى (Underground cartoons)، فاهتمامي بإيصال فكرتي لأكبر عدد من الناس، يتغلب على اهتمامي بتحويل رسمي للكاريكاتير إلى مجرد وظيفة روتينية أمارسها برتابة وأتقيد فيها بالكثير من اللوائح، فالواقع أنني أجد المتعة الحقيقية في أن أنفعل بسبب الأحداث العامة، ثم أستشرف المستقبل وأكثفه في كاريكاتير، أو أسخر من الواقع، أو أنتقد بصورة لاذعة الأوضاع القائمة عبر رسمة على الحائط". الصور: http://desmond.imageshack.us/Himg140/scaled.php?server=140&filename=84867587.jpg&res=landing http://desmond.imageshack.us/Himg96/scaled.php?server=96&filename=77069054.jpg&res=landing