لست أدرى لماذا يقبل الجيش والفريق السيسى كل هذا التجريح والهجوم على أحد قياداته المهمة والتاريخية، وهو الفريق سامى عنان، رئيس الأركان السابق، لمجرد أن هناك خلافا شخصيا بينه وبين أحد القادة الحاليين فى المؤسسة العسكرية، وهو الذى وضح جليا بعد نشر الرجل بعضا من شهادته «السياسية» على الأحداث فى مصر! ولماذا ساعدت القوات المسلحة، بطرف خفى وغير خفى، فى الهجوم عليه لمجرد سرده بعض وقائع شهدتها مصر قبل وأثناء وعقب «نكسة يناير»، المعروفة باسم «ثورة يناير»، بصفته نائبا للمشير الذى تولى إدارة مصر مترئسا السلطة التنفيذية، فى فترة شهدت لغطاً كبيراً وغمطاً لحق المجلس العسكرى الذى أدار مصر فى أسوأ فترة يمكن أن يقود فيها قائد بلاده؛ ذلك أن المتحدث العسكرى أصدر بياناً يغمز فيه ويلمز فى حق الرجل ويقول إنه كان يجب أن يعرض شهادته على الجيش وألا يفشى أسراراً عسكرية! ليعطى صكا بلا مقابل لفتح باب نهش المرضى والمتربصين بالجيش لعرض قائد عسكرى فى الجيش المصرى والسماح بالتقول عليه ومباركة وتسريب أخبار كاذبة عنه بأنه يتحالف مع «الإخوان» ليكون مرشحاً للرئاسة القادمة. ثم ازدادت هذه القيادات، المختلفة مع الفريق عنان، فى غيها عندما رفضت دعوة الرجل للاحتفال بحرب أكتوبر فى إشارة عبرت بوضوح عن الخلاف «الشخصى» مع الرجل الذى شارك فى حرب أكتوبر ليتشابه هؤلاء فى تقديرهم لاحتفالات أكتوبر مع تقدير المعزول مرسى عندما نحى كل قيادات المعركة وأتى بالقتلة والمجرمين فما الفرق بين هؤلاء وبين مرسى فى تغليب الصراعات النفسية على الاحتفالات الوطنية. هؤلاء يريدون تصوير الأمر على أن هناك جيشين: جيش للسيسى وآخر لعنان؟ مع أن الحقيقة هى أن المؤسسة العسكرية واحدة تحمل ثقافة واحدة وقرارا واحدا وقلبا واحدا، ونسأل الله العظيم أن يحميها من كل الشرور، يغفل أولئك أن سماحهم بالهجوم على أحد قيادات الجيش المصرى، ولو كان سابقا، بالضراوة التى رأيناها مع الفريق عنان سيكون بداية للهجوم على «جيش السيسى» طال الزمن أو قصر؟ لأننا نعرف ونوقن أن هناك من يحمل فى صدره بغضاء وحقدا دفينا نحو الجيش سيما أن الموافقة باستباحة عرض قيادات الجيش من قبل، لن يستطيع فى المستقبل أن يوقف «الاستباحة» فيما بعد ولن يكون لهؤلاء «عين» بمنع ذلك؛ لأنهم قبلوا بالمبدأ مع أحدهم من قبل على طريقة أكل الثور الأبيض. وإذا كان هؤلاء القادة يرون أن الفريق عنان فشل فى إدارة المرحلة الانتقالية بعد نكسة يناير، ألا يعد ذلك اعترافا ضمنيا بمسئولية القيادة الحالية والبارزة فى «جيش السيسى» وقد كانوا أعضاء بالمجلس العسكرى نفسه وعلى رأسهم الفريق السيسى الذى كان مديرا للمخابرات الحربية؟ أنا لا أدافع هنا عن الفريق عنان بقدر ما أريد أن أدفع فكرة القبول بمبدأ الضلوع فى التطاول على أحد قيادات الجيش والسماح بذلك لأنه يخط قاعدة لا نريد لها أن تترسخ ولا يجب أن نقبل بها، وهى إهانة قادة الجيش والتقول عليهم بالباطل وبالحقد الدفين، فضلا عن أننى أدافع أيضاً عن قائد عسكرى شارك فى حماية بلاده بخلع «مبارك» وتجنيب مصر فتنة عظيمة مع التأكيد أن له أخطاء مثله مثل أى قائد دبّ على كوكب الأرض، لأنه ليس ملاكا ولا شيطانا كما يريد البعض أن يصفه. الحق هو أن تحفظ القوات المسلحة أقدار رجالها؛ لأنه من العيب أن يقول أحد قادة الجيش الحاليين إن الفريق عنان شارك فى تسليم مصر إلى الإخوان؛ لأن الحق هو أن الذى سلّم البلد للإخوان هو من انتخبهم من الشعب المصرى بمحض إرادتهم والقوى السياسية الخانعة الانتهازية التى تحالفت مع الجماعة المحظورة لتقفز إلى مغانم السلطة وليس المشير طنطاوى والفريق عنان؛ لأنه لم يكن مطلوبا من شرف القائد العسكرى أن يقوم بتزوير الانتخابات ومواجهة جماعات إسلامية متطرفة ومسلحة، لم يكن يعلم الشعب مدى إرهابها وتطرفها وفساد عقائدها إلا بعد أن رأى منها ما رآه فى السلطة وخارجها، والحق أيضا أن هذا «التسليم» سهّل على «جيش السيسى» أن يواجه هؤلاء الآن متترسا بالشعب، فأرجو أن تكون الرسالة قد وصلت.