شتاء 1985 .. عزبة "عون" مركز العجوزين بكفر الشيخ، أنجب الحاج "حمزة عون"، طفلاً أسماه عمر. حَلُم أن يسير على خطاه ويصبح شيخًا أزهريًا كما جرت العادة في عائلة عون "أنا أصغر واحد في إخواتي، عندي 6 إخوات بنات، أهلي كانوا بيروحوا يحجوا مخصوص عشان يدعوا ربنا إنه يرزقهم بولد". "والدي كان بيفض المنازعات بين العائلات، ولو عائلة معجبهاش الحكم ممكن يبعتوا رسائل تهديد بخطف ابنهم".. يقول "عمر":"لتفرض الحراسة المشددة على هذا الطفل الصغير، فلم يعد بإمكانه اللعب مع الأطفال الصغار في الشارع "ماكانوش فاهمين إني محتاج تربية تختلف في طبيعتها عن تربية البنات، لازم يتقفل عليا زي الفراخ في المغربية، أصبح عندي تأخر في خبرات التعامل مع المجتمع". كان الصدام الأول لهذا الصبي مع والده عندما وصل للشهادة الإعدادية، ذهب للمسجد لصلاة العصر، ثم وضع في جيبه "قلم وأجندة"، وذهب لأقرب كنيسة، وقابل"القس"، وسأله:"هو انتوا بتعبدوا 3 آلهة؟، ليجيبه بكلمات لم يعتد الاستماع إليها:"احنا نؤمن بالوحدانية وبنقول ربنا واحد، ومن رحمته تجسد فى يسوع"، واتفق الاثنان على اللقاء أسبوعيًا، كانت مصر حينها تغلي بعد أحداث الكشح في صعيد مصر، وعندما علم الحاج "حمزة" بفعلته "ضربني ضربًا شديدًا، وقاللي انت بتعمل بلبلة في المجتمع، لو عايز تسأل عن حاجة اسألني أنا". يعشق عمر التصوير منذ الصغر، وكان يجمع الجنيهات لأجل أن يشتري "فيلم كوداك" ليصور "القرية والمقابر والحيوانات"، وعندما انتهى من الشهادة الثانوية تمنى أن يدخل كلية فنون جميلة، لكنه اصطدم بواقع يقول"مفيش فنون في الأزهر، وحتى كلية فنون جميلة لاتقبل الأزهريين"، وواقع أسري:"والدي وجدودي مشايخ أزهريين، ولهم مؤلفات والعيلة الذكور بيدخلوا المذهب الملكي والنساء المذهب الحنفي". أصيب عمر بحالة من البلادة، وقرر أن يستجيب لرغبة الأسرة بدخول كلية الزراعة "اخترت قسم دواجن، عشان في تشريح ورسم"، واستطاع أن يكون الأول على الدفعة في "الترم الأول"، وفي "الترم التاني" حصل على المركز الأول في الغرفة المثالية ومجلة الحائط بالمدينة الجامعية" كنت برسم على الحيط بالرصاص والفحم، شخصيات فلاح ريفي .. بنت محجبة .. بنت بقميص نوم .. شيطان .. وكنت بانتظار العقاب .. لكنهم كرموني". بعد هذا التكريم شعر عمر بالحنين لمجال الرسم والتصوير، ورفض الحضور للجامعة "الترم التاني سقطت في كل المواد"، لكنه استطاع رغمًا عنه أن يتخرج في كلية الزراعة بتقدير جيد جدًا، وبعد التخرج، قرر أن يبدأ فى مشروع مزرعة أرانب لمدة عام،"المشروع مربح، كنت بدبح الأرانب وأملح الفرو وأعمله دباديب – مشيات- سجاد- مفارش"، وبعد انقضاء العام عرضت عليه أخته التى تعيش بالسعودية أن تدفع له مصاريف دخول فنون تطبيقية قسم ديكور مقابل تصميم 3 شقق لها "كنت ساعتها قضيت 6 شهور ماجستير فى إنتاج البيض، سحبت كل أوراقي ودخلت الجامعة، كنت حاسس بسعادة رهيبة وأنا بشتري شنطة الأدوات الفنية، أول مرة أحس إني لي هدف في حياتي". يدرس عمر بقسم الديكور، ويستغل الفراغ بين المحاضرات ليحضر مع قسمي دعاية وإعلان وتصوير "عشان تكون العلمية الفنية مكتملة .. أصمم وأصور وأسوق". "معنديش أحلام، عايز أعمل الحاجة اللى بحبها".. يقول عمر، ويعرف نفسه"على غير وِفاق مع الله .. أزهرى .. مهندس زراعي حُر .. تاجر أرانب .. نباتى ولا أبالي بما هو آت .. بحب الشاي الأخضر والكيوي ومخلل المانجة والبرسيم والرجلة .. مش شرط عشان تكون مبسوط من نفسك إن كل الناس تكون مبسوطة منك .. الدين وسيلة وليس هدف .. كن أنت وفقط .. أخيراً:"لن أثير فضولك فأنا هو أنت .. وتلك عادتنا لا نٌلقي بالاً لأنفسنا".