لم تكن ليالى العيد تمثل لها موعدا لتبادل التهانى والزيارات بين الأهل والأحباب كغيرها من المواطنين، فالعيد بالنسبة لها موسم لجنى الرزق، لا وقت فيه للمزاح والتراخى، فتجدها جالسة فى العراء منذ الصباح الباكر طوال ليالى العيد على حصيرة صغيرة تحميها من الحصى والرمال، التى ملأت المكان، لتقوم بتقطيع جريد النخيل، وتنسيقه مع الزهور، ليعّيد بها الزوار على أقاربهم الأموات، فى مشهد تراجيدى اعتادت عليه. غرفة لا تتجاوز بضعة أمتار، هى مسكن «نسمة محمود»، بائعة الجريد، 30 عاماً، وابنتها وزوجها فى مقابر منشية ناصر منذ 17 سنة، وهى عبارة عن أرض صخرية مليئة بالتراب، تحتوى على كنبة صغيرة وبلطة صفراء وعشرات من أعواد جريد النخيل، تغطى أرضية المكان، وتعد مصدراً أساسياً لقوت يومها، خاصة مع شروق شمس ليالى العيد «هو ده عيدنا.. نشوف فرحة الميت بزيارة أهله.. والورود اللى بتسكن قبره مع الجريد اللى بيخفف ألمه». بيع الجريد بالنسبة ل«نسمة» ليس مجرد مهنة ورثتها عن خالاتها، اللاتى يعملن بها منذ 60 عاماً، بل معتقد صارت تؤمن به، فعلى مدار سنوات عمرها وهى تسمع أن الفراعنة كانوا يعتقدون أن الآلهة لن تحقق أمنياتهم إذا لم يجدوا الجريد فى بيوتهم، كما سمعت مراراً وتكراراً أن الجريد يخفف آلام المتوفين. «صحيح بنبيع الواحدة بجنيه ونص.. بس رزق أربع أيام العيد بنعيش عليه السنة كلها»، قالتها «نسمة» التى تبدأ عملها من المساء مع أسرتها وحتى السادسة صباحاً لإعداد الجريد وتزيينه ثم بيعه لزوار المقابر حتى الرابعة عصراً، وبعدها تخلد للنوم لبضع ساعات، حتى تستطيع مواصلة عملها فى اليوم التالى «عيدنا مش زى عيد المصريين بسبب فقرنا.. عيدنا شق ونوم وبيع جريد».