«فلتسألوا التاريخ عنى»، ربما سيوفر عليكم عناء البحث، عندما يصفه فى كلمة واحدة «شاعر» من أولئك الذين يملأون الدنيا بقصائدهم، يكتبونها فى الصحف السيارة، وينشرونها فى دواوين من الورق، لا يسعى وراء عرش «فعرش الشعر أكبر»، ولا يطلب منصباً ف«القارئ عندى أهم». وعندما يطارده كرسى الوزارة للمرة الرابعة فى أقل من عامين فإنه يفر منه بضمير مستريح معلناً «دورى ككاتب وشاعر أهم عندى من أى منصب». إنه فاروق جويدة الشاعر والكاتب، صاحب القصائد الرومانسية، والمسرحيات الشعرية، «الصامت المهموم»، مَن كتب مرة يقول «كلُّ مجدٍ تحت أقدامى ابتدا.. أنا صانعُ المجدِ العريقِ ولم أزل.. فى كلِّ رُكنٍ فى الوجودِ مُخلَّدا»، وكأنه كان يعنى بها نفسه، وإن كانت القصيدة فى وصف حجر على ضفاف النيل، حجر يقول للجميع: «لن ترانى بعدَ هذا اليومِ وجهاً جامِدا»، حجر يصرخ: «إنَّ الحجارةَ أعلنَت عِصيانَها، حجر يعلن: «مَن كانَ مثلى لا يموتُ وإنْ تغيَّرَ حالُهُ.. وبدا عليه ما بدا». هو المولود فى محافظة كفر الشيخ عام 1945، المثقف الصحفى صاحب المقال بجريدة الأهرام الذى تخرج فى كلية الآداب قسم الصحافة عام 1968، من بدأ حياته العملية محررا بالقسم الاقتصادى بجريدة الأهرام، ووصل إلى منصب مدير تحريرها. صاحب «دماء على ستار الكعبة»، و«الوزير العاشق»، و«الخديوى». جاء ديوانه الشعرى الأول «أوراق من حديقة أكتوبر» عام 1974 ليمنحه صك الدخول إلى عالم الشعراء، ثم توالت أعماله ليكتب «حبيبتى لا ترحلى»، و«يبقى الحب»، و«فى عينيك عنوانى»، و«لأنى أحبك»، و«كانت لنا أوطان»، ثم حددت مقالاته بجريدة الأهرام شخصيته أكثر، فلم يعد هناك مجال لأن يحار أحد فى تفسيرها. صاحب رأى هو، وصاحب موقف كذلك، انتماؤه للشعراء علمه أن الشاعر من الممكن أن يغنى للخليفة فيحصل على الذهب وعلى المكان والمكانة التى ربما لا يستحقها، غير أنه فضّل أن يكون فى الطرف المقابل، أن يكتب عن أولئك الذين لا يسمع أحد أصواتهم، أن يغنى لملح الأرض وترابها، أن يغوص أكثر فى الشوارع، أن يخاطب بوش الابن قائلاً: «ارحل وعارك فى يديك»، أن يكتب لمبارك دون مواربة: «ما زال يرتع فى بلاطك كل يوم.. ألف دجال مغامر.. وأمام عينك يذبح الشعب الحزين.. وأنت تسكرك المباخر»، أن يتحدث بلسان من غرقوا فى البحر وهم يسعون وراء أحلامهم فى بلاد بعيدة: «هذى بلاد لم تعد كبلادى». إنه الشعر حين يضع صاحبه على العرش فتغدو كل العروش إلى جواره بلا قيمة، وتصبح المناصب زائفة، ربما لهذه الأسباب رفض جويدة عرضاً من الدكتور هشام قنديل بتولى وزارة الثقافة بعد أن رفض قبل ذلك عروضاً مماثلة من أحمد شفيق وعصام شرف وكمال الجنزورى، مكتفياً بكونه «شاعر وكاتب»، ينشر مقالاته فى الأهرام، ويعود بلهفة إلى قصيدته وهو يهمس لها: «يقولون عنى كثيراً كثيراً.. وأنت الحقيقة لو يعلمون».