تواجه الثورة المصرية مشكلة عويصة تحول دون استكمالها وتحقيق أهدافها، فقد افتقدت الثورة منذ موجتها الأولى فى 25 يناير القيادة القادرة على إدارة العملية الثورية والإمساك بزمام السلطة بما يعزز قدرة القوى الثورية على مواصلة دورها فى دفع حركة الثورة إلى الأمام. ونتيجة لهذا القصور استولت على الثورة أكبر قوتين منظمتين فى هذا الوقت؛ مؤسسة القوات المسلحة وجماعة الإخوان المسلمين. ولأنهما قوتان محافظتان فقد انحرفتا بالثورة عن مسارها الحقيقى؛ العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. ورغم أن الشباب هو الذى دعا إلى مظاهرات 25 يناير، ورغم أن هذا الشباب تصدى لمحاولات المجلس الأعلى للقوات المسلحة إطالة الفترة الانتقالية دون اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستكمال الثورة، ودفع الشباب الثمن غالياً من أرواحهم وأجسادهم باستشهاد المئات وإصابة الآلاف خلال عام 2011، من أجل استعادة الثورة، وكان سلاحهم الأساسى الحشود المليونية وتشكيل ائتلافات لشباب الثورة للمحافظة على القدرة على مواصلة نشاطهم الجماعى، ونجح الشباب فى الضغط على قيادة المرحلة الانتقالية للتعجيل بإنهائها بتحديد موعد إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية وإنهاء المرحلة الانتقالية فى موعد غايته 30 يونيو 2012، رغم أن المجلس كان قد أعلن أن المرحلة الانتقالية سوف تستمر إلى 2013، وتحقق ذلك بالفعل بإجراء الانتخابات فى المواعيد المحددة وتسلم الدكتور محمد مرسى الفائز فى الانتخابات منصب الرئيس فى هذا التاريخ، وبدأت مرحلة جديدة تولى خلالها الإخوان المسلمون السلطة وسيطروا على مجلس الوزراء وأداروا السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية بما يوافق أهدافهم دون أى اعتبار لمطالب الشعب، وصدر الدستور الذى أرادوه وفق النموذج الذى يرغبونه للدولة المصرية بصرف النظر عن طبيعة الثورة وأهدافها، وتم تنحية الشباب الذين كان لهم الفضل الأكبر فى مسيرة الثورة. وها نحن نبدأ مرحلة جديدة فى ظل سلطة انتقالية بدأت بخطة خريطة المستقبل يوم 3 يوليو 2013 باعتبارها ثمرة للثورة الشعبية فى 30 يونيو. وتستعد البلاد حالياً لإصدار دستور جديد وانتخاب مجلس شعب جديد ورئيس جديد، فهل تسقط البلاد مرة أخرى فى يد قوة محافظة جديدة هى قوى نظام مبارك التى عادت إلى الميدان مرة أخرى متحالفة مع القوى الأخرى ضد حكم الإخوان؟ إنها نقطة تحول حاسمة فى مستقبل هذا الشعب ينبغى أن تكرس فيها الجهود لضمان استمرار الثورة، ولن يتحقق ذلك ما لم يتم تمكين الشباب القوة الأساسية للثورة من امتلاك المقومات الكافية لزيادة تأثيرها فى المجتمع، ويتطلب هذا التمكين إنشاء كيان شبابى ترعاه الدولة وتضع تحت تصرفه الإمكانيات اللازمة للقيام بدوره فى تزويد الأجيال الجديدة بالثقافة الإنسانية الرفيعة اللازمة لفهم ما يجرى فى مصر والعالم، والتطورات التى شهدها المجتمع الإنسانى المعاصر والقوى المحركة للصراعات التى تشهدها مصر والقوى التى تحرك العلاقات الدولية المعاصرة. كما أن هذا الكيان مطالب بتزويد الشباب بالخبرات والمهارات الضرورية لممارسة نشاط جماعى فعال. وفى ظل هذا التطور فى قدرات الشباب يمكن استئناف مسيرة الثورة وتحقيق أهدافها. ومن الممكن أيضاً أن يقوم الشباب بأدوار بالغة الأهمية للمجتمع المصرى مثل محو الأمية الأبجدية والسياسية بما يرفع مستوى الوعى السياسى لدى ملايين الفقراء الذين يدلون بأصواتهم فى الانتخابات لصالح الذين يستغلونهم ويعملون ضد مصالحهم، وسينشئون بذلك علاقات مبشرة مع قطاعات واسعة من الشعب المصرى يثقون فى الشباب ويدلون بأصواتهم للشباب، فيكون ذلك مدخلهم للوجود بقوة داخل مجلس الشعب. من واجبنا جميعاً أن نسعى إلى تأسيس هذا الكيان الشبابى حتى لا تسقط الثورة مرة أخرى فريسة لقوة ثالثة محافظة، وحتى لا ندفع الثمن غالياً من جديد من أجل استرداد هذه الثورة.