يوجه الدكتور حازم الببلاوي، رئيس مجلس الوزراء، كلمة إلى الأمة، بعد قليل، بمناسبة الاحتفالات بالذكرى 40 لانتصارات أكتوبر، و"الوطن" تنشر نصها والذي جاء كالآتي: إلى شعب مصر العظيم: أتوجه إليكم بالتهنئة في ذكرى واحدة من أغلى ذكريات مصر الحديثة، ذكرى السادس من أكتوبر 1973، يوم استردت مصر كرامتها مع عبور الجيش المصري قناة السويس إلى أرض سيناء الحبيبة. لم يكن هذا الانتصار سهلاً أو ميسرًا، بقدر ما كان محنة واختبارًا، دفعنا أثمانها في الجهد والإعداد مع العرق والدموع، كما روته دماء شهدائنا الأبرار مع عزم وتصميم من الجنود والقادة. ويشاء العلي القدير أن يستشهد في ذكرى هذا النصر، رئيس البلاد وقائدها بأيدي غادرة. رحم الله شهدائنا وأسكنهم فسيح جناته. وإذ نحتفل اليوم بالذكرى الأربعين لهذه الملحمة الرائعة، فإننا نستلهم روح أكتوبر المجيد، كي نعيد للبلاد أمنها واستقرارها ونمائها في معركة قد لاتقل ضراوة أو قسوة. لقد خرجت جماهير مصر الثائرة في 25 يناير 2011، ثم في 30 يونيو 2013 إيذاناً بعودة الروح لشعبنا العظيم، واستكمالاً لمسيرته في بناء الحضارة، واستعادة لدوره المفقود، وهذا كله هو، في نهاية الأمر، استعادة لروح أكتوبر المجيدة. وإذ نحتفل اليوم بيوم انتصار الجيش، فإن الشعب المصري يؤكد لحمته مع جنوده الأبرار، لإعادة بناء دولتنا المدنية الديمقراطية، والمشاركة مع أشقائها في العروبة لاستعادة دورنا الخلاق في عالم جديد يؤمن بالحرية والعدل والسلام. وإذ نمر فى هذه اللحظات بفترة دقيقة تتطلب من كل أبناء مصر التكاتف والتماسك، الأمر الذي يتطلب الثقة في النفس، والثقة في الغير، والثقة في المستقبل والتفاؤل به. فهذه هي أدوات النجاح والازدهار. أما ثقافة الشك والريبة في كل شيء، والتربص بكل عمل، فهذه أدوات الهدم والشقاق. وبدأت مسيرتنا الحالية في ظل أوضاع أمنية بالغة القلق والاضطراب، وبفضل من الله ومع جهود رجال الشرطة ومساندة القوات المسلحة ودعم الشعب، استعادت البلاد، إلى حد بعيد، الطمأنينة والأمان، وإن ظلت اليقظة مطلوبة، حيث ما تزال المخاطر تلوح بعناصرها الخبيثة، وإن فقدت الكثير من قواها. في نفس الوقت، فإن المسار السياسي لتحقيق خارطة الطريق يأخذ مجراه الطبيعي، ونأمل أن يستكمل دوره على خير وجه في القريب العاجل، ويطرح مشروع الدستور على الاستفتاء وينتخب البرلمان ورئيس الدولة. ويظل الاقتصاد هو مشكلتنا الكبرى، كما أنه أيضا منقذنا وملاذنا الأخير. وأود بهذه المناسبة، أن أطمئن أبناء الشعب على أن الاقتصاد بدأ يتماسك ويستعيد صحته. وهناك بوادر واضحة ومؤشرات مطمئنة. لكن الاقتصاد وإنجازاته لا تتحقق بمنحة من السماء، وإنما بجهود الأفراد والحكومات. فالأوطان لا تُبنى بالتمنيات والدعوات الصالحة، وإنما بالعمل الجاد والعرق وأحيانا بالدموع. كذلك فإنه لا حقوق دون واجبات، كما أن الحرية بلا مسؤولية هي عبث ودعوة للفوضى. فالاقتصاد يتطلب الجدية والصبر والمثابرة. ومسيرة التقدم ليست نزهة، لكنها بصعابها ومشاقها، أكثر إثارة وإرضاء للنفس كما هي مدعاة لاحترام الذات. يقوم النجاح الاقتصادي على دعامتين: الكفاءة والعدالة. فلا إنجاز اقتصادي دون كفاءة إنتاجية، وقدرة على العمل الجاد، مع الابتكار وتحمل المخاطر. ولكن الاقتصاد، من ناحية اخرى، لا يستمر أو يدوم دون شعور بالعدالة والإنصاف، وتكافؤ الفرص ومنع الاستغلال. وبعد أن استعاد الأمن الكثير من قوته وعافيته، وبدأت مسيرة البناء الديمقراطي في طريقها، فإن الاقتصاد المصري، بدأ بدوره في اليقظة. وقد استعادت السوق تفاؤلها كما تظهره المؤشرات فى زيادة الاحتياطى النقدى، واستقرار أسعار الصرف وتحسنها، وازدهار البورصة، ورفع القيود من الدول الأجنبية على حظر السياحة إلى مصر أو تخفيفها. وفى نفس الوقت فإن المساندة الجادة والمخلصة من أشقائنا في دول الخليج تدعم مسيرتنا، فضلاً عن تحسن المناخ الدولي. وكل هذه مؤشرات بالغة الدلالة. أيها الأخوة الأعزاء: إن مصر تنادي أبناءها بالعودة إلى حضنها، بلا أنقسام أو شقاق، مع التطلع إلى المستقبل. ولنا في روح أكتوبر الملاذ والخلاص. وفقكم الله، وأعاد الله إلى أرض الكنانة الطمأنينة والاستقرار والازدهار.