يجلس منكباً على ماكينة الخياطة بالساعات، ينفخ دخان السجائر بقوة وكأنه يطرد شحنة غضب وملل من ضيق الحال، أيام نبيل جميل سيد، أقدم منجد إفرنجى فى سوق الزلط، أصبحت طويلة، لا يقصرها عمل ولا يهونها رزق، فكلاهما أصبح نادراً فى ظل الظروف الاقتصادية الراهنة. من منجد لكبار رجال الدولة إلى «أرزقى» ينتظر زبوناً بشغف، هكذا أصبح حال منجد باب الشعرية: «مين دلوقتى معاه فلوس زيادة عشان ينجد أوضة صالون أو أنتريه». ورث «عم نبيل» الصنعة أباً عن جد، كانت مزدهرة أيام جده لأبيه لكنها أصبحت أقل قيمة بانتقالها إليه: «جدى صنع من الصنعة اسماً لا يستهان به فى عالم الموبيليا وتصميمها لكن كل ده ضاع بسبب الأحداث السياسية اللى قطعت الرزق عن ناس كتير وأنا منهم». يدقق «عم نبيل» النظر طويلاً ويحاول جاهداً أن «يلضم» الإبرة، وهو يقول: «مين دلوقتى اللى يشترى قويمة ولا يقدر الشغل ده.. ومين اللى يحب يعمل شغل متكلف ويدوى زى زمان.. الناس دلوقتى بتحب الحاجة الجاهزة الرخيصة». فرق كبير بين زبائن «عم نبيل» زمان وحالياً، فإذا كان يفتخر بأن محمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان الأسبق وهانى هلال وزير التعليم الأسبق والفريق أحمد شفيق المرشح الرئاسى السابق، من زبائنه فإنه يتحسر على هذه الأيام التى كان يعمل فيها ليل نهار دون ملل أو تعب: «حالنا عَمّال يسوء ووقف الحال ورانا ورانا، كفاية إنى طول اليوم قاعد بحلم بزبون». يحكى «عم نبيل» كيف أصبح أقصى طموحه هو تمنى انتهاء الشهر دون أن يكون مديوناً لأحد آملاً أن يتبدل به الحال هو وكثير من الباعة الجائلين المجاورين له الذين يجلسون جميعاً أمام محالهم وورشهم ينتظرون أن ينفك الكرب: «فيه صنايعية كتير باعت الورش الخاصة بيها مش عايز يبقى مصيرى زيهم مش عايز أضيع الاسم اللى بنيته أنا وجدودى فى سنين».