داخل إحدى قاعات بانوراما السادس من أكتوبر، فى مدينة نصر، يجلس اللواء طيار حسن محمد فريد، مرتدياً بذلته السوداء، يروى ويتذكر مرارة الهزيمة، وحلاوة النصر. يروى اللواء الحاصل على وسام «نجمة الشرف»، وهو أعلى وسام عسكرى، كيف تغلب على حالة الإحباط واليأس عقب الهزيمة، واستطاع أن يتخطى هذه الفترة العصيبة من حياته، ليصل إلى تحقيق حلمه فى إعادة سيناء مرة أخرى. يقول اللواء فريد، الذى يبلغ من العمر 64 سنة: «إن الانتصار العظيم فى حرب 6 أكتوبر كان نتيجة مجهود كبير، وعمل شاق سبق المعركة، خلال فترة 6 سنوات منذ نكسة 5 يونيو عام 1967 إلى وقت معركة رد الأرض ممن سلبها غدراً»، ويقول: «عملت القوات المسلحة على إعادة بناء جيشها مرة أخرى، حتى تصل إلى تنفيذ المهمة وهى تحرير الأرض. وهذه الفترة كانت فى غاية الصعوبة على الجميع، وكانت تشمل التدريب، واستخدام العلم والتكنولوجيا الحديثة فى إعادة تأهيل القوات المسلحة». يتحدث اللواء بفخر عن الجيش المصرى قائلاً: «القوات المسلحة قوات محترفة، عند حدوث الهزيمة (ده بيبقى حافز أكتر إنك تاخد حقك مرة تانية)، الدوافع التى تربيت عليها داخل القوات المسلحة زرعت داخلى روح المقاتل، والباحث دائماً عن الحق، ووطنية الدولة، وعليك أن تعيد مرة أخرى ما سلب منك، وتستعيد كرامة أمتك، فالقوات المسلحة غير أى مؤسسة أخرى فى الدولة، لأنها هى كل الشعب المصرى، انتماؤنا ووجودنا وشرفنا فيها، وهى مثل الأب بالنسبة لأولاده». يروى اللواء فريد قصة 20 يوماً متواصلة من القتال مع العدو الإسرائيلى قائلاً: «إحنا فضلنا 20 يوم قتال، طلعت فيهم 87 طلعة جوية، ودخلت فى 18 اشتباك مع العدو، وكان عملى الرئيسى هو حماية الطائرات التى قامت بالضربة الجوية الأولى، وهى الضربة التى تسببت فى شل القوات الإسرائيلية فى كل الأفرع، لأن إسرائيل كانت تعتمد على قواتها الجوية، وكانت تسميها الذراع الطولى». يتذكر اللواء فريد فترة حرب الاستنزاف، وكيف كانت تلك الفترة مهمة للغاية فى حياة كل جندى للوصول إلى الحرب، يوضح أن حجم التدريب كان عالياً جداً وعلى أعلى مستوى، وشاق للغاية، فيروى أنه كان لديه فى تلك الفترة 21 سنة، وكان كل هدفه أن يصل بالتدريب إلى قيادة طائرة حديثة مقاتلة لتأمين الجبهة للقوات المسلحة، حيث كان يعمل داخل اللواء المسئول عن حماية الجبهة للقوات المسلحة، والأهداف الحيوية للجيش الثانى والثالث. يبتسم «فريد» ويقول: «دائماً كنا فى حالة استعداد دائم، أو ننفذ عمليات، أو للتأمين، لما جاءت ساعة الصفر وبدأت الحرب كانت أسهل من فترة الإعداد بالنسبة لطبيعة العمل الذى كنا موجودين فيه، (رحنا وانتظارنا للحرب كان اشتياق، لأن أنا ما كنتش حاسس إن اللى جاى هيبقى أقوى من اللى كنا فيه)». وعلى الرغم من صغر سنه قبل المعركة كما يروى، فإنه تحمل مسئولية القيادة عقب استشهاد زملائه، تولى مسئولية قيادة السرب المكلف بتأمين الجبهة، بدءاً من منطقة بورسعيد حتى السويس والعاصمة وفرع النيل وصولاً إلى مدينة رشيد، وحصل بعد الانتصار على وسام «نجمة الشرف»، وهو أعلى وسام عسكرى. بنبرة حزن يتحدث اللواء فريد عما يسميه «الحياة الأليمة» التى يقول إنه ظل يعيشها على مدار سنوات قبل المعركة قائلاً: «القوات المسلحة عاشت حياة فى منتهى القسوة من أجل استعادة الأرض مرة أخرى، فكل جندى فى القوات المسلحة (ماعندوش أغلى من حياته إنه يقدمه)، فهو إنسان طالب للموت، وهدفه هو تحقيق النصر وعودة كرامة وطنه». يصف اللواء فريد الرئيس الراحل أنور السادات ب«أنه كان شخصية متفردة»، استطاع أن يستغل كل أجهزة الدولة ويضعها فى أسلوب من التناغم والتكامل استعداداً للحرب، فلم يترك «السادات» أى شىء إلا وأعده من أجل المعركة. ينتقل فى كلامه إلى الحديث عما سماه «عبقرية الفريق سعدالدين الشاذلى»، رئيس أركان الجيش المصرى فى ذلك الوقت، قائلاً: «إنه عمل على تطوير الأسلحة واستخدام التكنولوجيا الحديثة، ورفع كفاءة التدريب، ورسم خطط جديدة تستطيع أن تتغلب على العدو»، ويرى أن أعظم الأشياء فى نجاح حرب أكتوبر هو «القدوة»، حتى إنك لا تستطيع أن تحدد شخصاً بذاته، فكل القادة والجنود، بداية من وزير الدفاع حتى آخر جندى، هم قدوة فى عملهم والالتزام والجدية. يختتم اللواء فريد حديثه بقوله: «إن الأرض التى ضحينا من أجلها ودفع جنودنا دماءهم من أجل عودتها، تواجه الآن مشاهد غير مرضية للجميع، فالجيش الآن لديه مهمة صعبة للغاية فى سيناء، حيث إن وجود تلك الجماعات الإرهابية خطر حقيقى على مصر وأمنها».