على مكتبه مكيف الهواء وُضِع ملف ممهور بأختام الجهاز المركزى للمحاسبات، قلّب أوراقه.. طواه ثم زفر. فى اليوم التالى سلطت الصحف أضواءها على ذلك الوزير الذى كشف أحد الأجهزة الرقابية حصوله على مبلغ مليون و142 ألفاً بالمخالفة للقانون.. انتفخت أوداجه وتورد وجهه القمحى وهو يصرح: «تقدمت بملاحظات على اختيار المستشار عادل عبدالمجيد، وزيراً للعدل، فى حكومة الببلاوى، بسبب مخالفاته المالية». السادس من سبتمبر 2012، تاريخ صدور قرار الرئيس المعزول محمد مرسى بتعيين المستشار هشام جنينة رئيساً للجهاز المركزى للمحاسبات لأربع سنوات، الجهاز الرقابى المصرى التابع مباشرة لرئاسة الجمهورية، منذ ذلك التاريخ والبعض يستبشر بالأداء منقطع النظير للجهاز الرقابى الذى فتح ملفات فساد تورّط فيها رجال دولة، لكن البعض الآخر انتقد ذلك الأداء، فقد تحول الجهاز إلى عصا يهشّ بها «مرسى» على خصومه. «لسنا دعاة انتقام.. لكننا رصدنا مخالفات بنادى القضاة» هكذا أعلن «جنينة» فى أوج الخصام بين مؤسسة الرئاسة وجماعة الإخوان المسلمين من ناحية ونادى القضاة. نفس النادى الذى وقف «جنينة» مع «تيار الاستقلال» ضد إدارته التى ترأسها المستشار أحمد الزند. وُلِد هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، عام 1954 بالمنصورة، عاصمة محافظة الدقهلية، والتحق بالنيابة العامة عام 1974 بعد تخرجه فى كلية الحقوق. ومنذ ذلك الحين ساهم فى منح القضاء المصرى مزيداً من الاستقلالية عن الحكومة -السلطة التنفيذية- التى يرى أنها «متوغلة ومسيطرة على كل سلطات الدولة». فشارك «جنينة» فى إنجاز قانون عودة مجلس القضاء الأعلى عام 1984، وفى وضع مشروع تعديل قانون السلطة القضائية عام 1990. قبيل إعلان توليه رئاسة الجهاز المركزى للمحاسبات، أبدى «جنينة» رغبة من جانبه فى الاستقلال التام للجهاز الرقابى عن رئاسة الجمهورية التى يتبعها. ومن وقت تولّى مهام منصبه وحتى تاريخ الاستفتاء على مشروع دستور 2012 لم يلفت «جنينة» نظر اللجنة التأسيسية إلى تعديل آليات اختيار رؤساء الأجهزة الرقابية لتخرج المادة 202 فى دستور 2012، مشيرة إلى اختصاص رئيس الجمهورية بتعيين رؤساء تلك الأجهزة. واكتفى باقتراحٍ مضمونه ألا يُعزل رؤساء الأجهزة الرقابية إلا بحكم قضائى. فى المقابل، فضح «المركزى للمحاسبات» فساد عدد من الوزارات، على رأسها «الكهرباء والداخلية والطيران المدنى».. كانت تقاريره وتصريحاته، طيلة العام الماضى، وجبة دسمة بالنسبة لوسائل الإعلام، لا سيما الموالية لنظام الرئيس المعزول: «فوجئت أن وزارة الكهرباء تعطى مكافآت مالية ضخمة لقيادات أمنية كبيرة، وأن مدير أمن المطار كان يحصل على راتب شهرى من الكهرباء دون إذن صرف».