«شباب.. بمناسبة مرور ست سنوات على إصدار جريدتكم بإمكانكم كتابة مقال يُنشر فى العدد الخاص»، عبارة قالها لنا قائد السفينة الأستاذ محمود مسلم، رئيس تحرير جريدتنا الغراء «الوطن». لم أفكر، ولكننى شعرت بمشاعر مختلطة وقشعريرة داخلى منبعها رغبتى أن أكتب عن بيتى الثانى، حيث كنت جندياً ضمن كتيبة «الوطن» الذين كافحوا بأقلامهم لتوصيل رسالة ومعلومة، واضعين نصب أعيننا وضمائرنا هدفاً وحيداً هو احترام عقل المواطن وتقديم مادة إعلامية تُثرى المجتمع الصحفى بإصدارات متميزة. ف«الوطن»، ودون مبالغة، كانت ولا تزال، البيت الثانى. وحتى لحظة كتابتى لهذا المقال لم أعرف من أين أبدأ، لأنه، وبحق، وطن شعرنا داخل أروقته بالحرية والأمان الوظيفى والمهنى، ولا سيما فى أحلك الظروف التى مرت على وطننا الكبير مصر، عقب ثورة 25 يناير، التى كانت سامية الأهداف فى بدايتها، لكنها مع الأسف تحولت لكارت استخدمه أعداء مصر لإسقاطها وإضعاف مؤسساتها، وكان تأثير غموض المستقبل وعدم وضوح الرؤية سلبياً على كافة المستويات، إلا أن رحمة الله وإخلاص أبنائه الأسوياء حال دون انهيار بلد أخذ الله على نفسه عهداً بأنه أرض الأمن والأمان لكل من دخلها وعاش فى ربوعها. مواقف كثيرة وذكريات عشتها داخل «الوطن» لن أجرؤ على أن أزعم أن كلماتى ستسردها، لكن يحضرنى موقف حدث عندما كشفت، بحكم مسئوليتى، عن تغطية أخبار وزارة المالية، وحينها كانت جماعة الإخوان قد زرعت رجالها فى كافة الوزارات والمؤسسات للسيطرة على مقاليد الحكم، ونشرت فى «الوطن» تقريراً عن ثقوب فى موازنة الدولة فى ذلك الوقت، لأفاجأ باتصال من مساعد وزير المالية، الذى كان وزير المالية الفعلى بالوزارة فى عهد «المرسى حجازى» فى حكومة هشام قنديل، رئيس الوزراء فى عهد الإخوان، كان مضمون المكالمة تهديداً ووعيداً لى وللجريدة، خاتماً مكالمته لى بعبارة: «أقسم لك إن الجورنال الأصفر بتاعكم واللى بيهاجمنا ده ماهيستمر»، وعندما سردت المكالمة لمدير التحرير وقتها الأستاذ علاء الغطريفى ضحك وقال لى: «انت خفت ولا إيه ياض؟».. رددت: «لأ ياريس، ومعانا مستندات»، فقال لى محتفظاً بنفس الوجه الباسم: «اكتب ولا يهمك، ياما دقت على الراس طبول.. واحنا همنا البلد ومصلحة الناس». تمر الأيام وما زال «الوطن» هو بيتنا الثانى الذى يحتضن أبناءه ولا يدّخر جهداً فى تطويرهم ليلحقوا بركب القطار الإعلامى الذى يشهد تغيرات لحظية سريعة بوتيرة تسابق الزمن. وفى الذكرى السادسة لانطلاق بيتى الثانى لن تكفى كلماتى لإعطائه حقه علىّ وعلى جميع زملائى الذين أشرف بالعمل بجانبهم برعاية رئيس تحرير كان لنا بمثابة أب روحى يقوّمنا بنصائحه الأبوية تارة، والأستاذية تارة أخرى عندنا نحيد عن المسار، أب يشُد على أيدينا كلما قمنا بخطوة إيجابية فى حياتنا العملية، متبعاً أسلوباً قد يكون أحياناً ظاهره الشدة، لكن فى باطنه الرحمة والخوف على كتيبة أخذ قائدها على نفسه عهداً بأن تظل فى مقدمة المسيرة الصحفية فى مصرنا الحبيبة.