يعتقد حمدين صباحى، دوناً عن كل مرشحى انتخابات الرئاسة، الذين أطاحت بهم ثورة 30 يونيو، وكشفت عن تهافتهم وعدم أهليتهم، أنه الأكثر تعبيراً عن «الحالة الثورية» التى أعقبت انتفاضة 25 يناير، وأن هذه الحالة لا تزال محتفظة برومانسيتها وقدرتها على الحشد والمزاحمة، على الرغم من انتهاء صلاحيتها السياسية. بعد 25 يناير توزعت إرادة المصريين بين أكثر من «اختيار»، وكانت كل الاختيارات «ثورية». كان كل المرشحين «ثوريين»، ولم يكن الفارق بين مرشح نكرة مثل «خالد على»، وآخر ينتمى إلى تجربة عبدالناصر مثل «حمدين صباحى»، سوى عدد الأصوات، وغاب عن الجميع أن المعيار الوحيد الذى ينبغى أن يكون أساساً للاختيار هو قدرة وكفاءة المرشح على إدارة الدولة. وفى الأخير، فشل الجميع وفاز مرشح الإخوان بكعكة الحكم لأنه طرح نفسه باعتباره مرشحاً «واقعياً»، لكنه فشل هو الآخر، لأنه لم يحظَ من معيار «رجل الدولة» بأى أمارة: فلا هو كان «رجلاً»، ولا جماعته التى كانت تحكمه وتحكمنا تنتمى إلى هذه «الدولة». إن كان لثورة 30 يونيو ميزة، فهى أنها وضعت المصريين أمام اختيارين متناقضين: «الدولة» ووراءها حشود من البسطاء، المحبين لبلدهم ظالماً ومظلوماً. وضمنهم «حزب الكنبة»، ثم الإسلاميون بكل أطيافهم بمن فيهم فلول الإخوان. وبين هؤلاء وأولئك يقف رموز «الحالة الثورية»، وفى صدارتهم «حمدين»: يميل حيناً على اختيار «الدولة»، وحيناً آخر يغازل الإسلاميين، لذا لا أظن أنه رجل هذه المرحلة، فمصر الآن لا تحتاج إلى مواقف «مائعة» أو «تلفيقية»، ولا يمكن -بالأحرى- أن تعيد إنتاج تجربة «الإخوان» تحت أى شعار، ومن ثم لا يبقى سوى خيار «رجل الدولة».. ولن يكون «مدنياً» بطبيعة الحال، حتى إذا كان موجوداً وفى كامل لياقته السياسية. لن أكرر سؤالى للأستاذ حمدين عما إذا كان يرى فى نفسه مواصفات «رجل الدولة»، وعن حدود فهمه لمعنى ودور «المرشح الثورى»، وهل ما زال يحظى بأى جاذبية أو مصداقية لدى المصريين!. لكننى أضع الكثير من علامات الاستفهام أمام موقفه المعلن من التيار الدينى، وأقل ما يمكن أن يقال فيه أنه موقف براجماتى يثير القلق والقرف، وينسف كل فرصة فى الفوز بتعاطف المصريين.. فما بالك ب«مقعد الحكم»!. فى لقائه مع يوسف الحسينى، والذى نوهت إليه فى الجزء السابق من المقال، قفز حمدين على كل الممارسات الإرهابية للإخوان وحلفائهم، وتجاهل دعوات التحريض التى تصر كلابهم المسعورة على إطلاقها ضد الجيش والشرطة وضد جميع مؤسسات الدولة، وأعلن بملء فمه أن من حق التيار الدينى أن يطرح مرشحاً رئاسياً، وأنه ضد العزل أو التمييز بين المصريين!. يأتى ذلك فى الوقت الذى يصر فيه على إقصاء أى مرشح ذى خلفية عسكرية، ويصر أيضاً وبالتبعية على أن «السيسى» لن يترشح، وأن من الأفضل أن يظل فى عيون المصريين «بطلاً شعبياً»!. وإذا كان الأمر كذلك.. فإننى أسأل الأستاذ حمدين: لماذا لا تنأى بنفسك أنت أيضاً وتظل فى عيوننا «بطلاً ثورياً»؟!. من الواضح أن «حمدين» لم يحسم قراره بالترشح حتى الآن، لكن ضغوط المحيطين به قد تدفعه إلى مخاطرة مميتة، تهدد مستقبله السياسى، ليس فقط لتآكل شعبيته وتراجع جاذبيته السياسية، بل لاعتقاده أن المراهنة على أصوات التيار الدينى ستضمن له فوزاً كاسحاً بمقعد الرئاسة، وب«تفويض شعبى» كما قال خالد يوسف. ولا أعرف كيف سمح «حمدين» لنفسه -وهو الذى أسس مصداقيته لدى المصريين على انتمائه لتجربة «عبدالناصر»- بمداهنة هذا التيار والحديث عن حقه فى حكم مصر؟. لقد أصبح للإخوان وحلفائهم من هذا التيار «ثأر» مع الدولة المصرية، والمؤكد أنهم يبحثون ويخططون الآن للعودة، سواء من خلال كوادر صريحة أو مستترة، وسواء من خلال مرشحين برلمانيين أو رئاسيين. وأكثر ما يثير القلق فى «ليبرالية» حمدين و«رخاوة» موقفه من التيار الدينى أن «يختبئوا» وراءه، ويتحول وجودهم فى المشهد السياسى بعد ذلك إلى ما يشبه حصان طروادة. هناك الكثير مما يعزز هذا القلق، إذ إن هناك تفاهمات قديمة بين «حمدين» والإخوان، أهمها تحالفه معهم فى انتخابات 2011، وحواره معهم قبل 30 يونيو بوساطة تونسية كشف عنها الإخوان أنفسهم. كما أننى لا أجد تفسيراً مقنعاً لسكوته على تجاوزات «حماس» المتكررة ضد الأمن القومى المصرى، خاصة بعد أن انكشفت كل عوراتها وسقط عنها قناع المقاومة، ولا أجد تفسيراً لإصراره على حضور جنازات بعض شهداء 25 يناير، سواء فى فترة المجلس العسكرى أو خلال حكم جماعة الإخوان.. بينما لم يكلف خاطره بتقديم واجب العزاء أو حضور جنازة شهيد «الداخلية» اللواء نبيل فراج، أو جنازة شهداء رفح!.. لذا أكرر نصيحتى ل«حمدين» بأن يتخلى عن «ثوريته» ويعمل من الآن على تأسيس نفسه ك«رجل دولة» إذا كان يطمح إلى حكم مصر.