نحو 108 ملايين جنيه، من ميزانية محافظة الإسكندرية، ضاعت هباءً، لإبرامها عقودا غير قانونية فى واحدة من قضايا إهدار المال العام، التى لم تضر بالمال بالعام فقط، وإنما اتسعت دائرة الضرر لتصيب الشباب الذين فقدوا ممتلكاتهم بعد استيلاء البلطجية عليها. إذ تكشف المستندات التى حصلت "الوطن" عليها، تقاعس شركة الحراسة المتعاقد معها عن تأدية واجباتها على النحو الصحيح، لتستحق لقب "شركة حراسة.. لا تحرس شيئا"، مما سهل استيلاء البلطجية على كثير من الممتلكات العامة والخاصة فى مدينة الإسكندرية، منها 750 وحدة سكنية من مشروعات إسكان الشباب، فى مناطق الكيلو 26، وأم زغيو غرب المدينة، إضافة إلى التعدى على عدد كبير من الأراضى التابعة للمحافظة، منها وحدة التحفظ على السيارات فى منطقة محرم بك. وبحسب تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات، فإنه مع الإنفلات الأمنى الذى صاحب ثورة يناير، ارتكب البلطجية أعمال تخريب منها، حرق مقر الديوان العام لمحافظة الإسكندرية، وسرقة أكثر من 750 وحدة سكنية تابعة للمحافظة.. فيما تكشف المستندات أن مسئولية حراسة تلك المنشآت تقع فى نطاق اختصاصات شركة الحراسة حسب العقود المبرمة بينها وبين المحافظة، منذ عام 2003 وحتى الآن، يصل عددها إلى 160 عقداً لتأمين منشآت مختلفة فى المحافظة، مقابل مليون جنيه شهرياً، ليصل إجمالى ما تقاضته الشركة إلى نحو 108 ملايين خلال تسع سنوات. وكان التعاقد مع شركة "جيت سرفيس"، قد تم بنظام العقد بالأمر المباشر، أثناء تولى اللواء عبدالسلام المحجوب المحافظة، بالمخالفة للقانون الذى يحظر إسناد مشروعات بالأمر المباشر لأي جهة، فى حال زادت قيمة العقد عن مائة ألف جنيه. ويوضح تقرير للجهاز المركزى للمحاسبات أن المبالغ التى تم تسديدها للشركة قد خصمت من صندوق مشروعات الإسكان الاقتصادى، مما أدى إلى استنزاف وإهدار موارده. كما يرصد التقرير قيام الشركة بتقديم شهادة تأمينات اجتماعية مزورة تحمل رقم643314 بتاريخ 16 ديسمبر عام 2010 بالملف رقم 2010/ 1727 للحصول على كافة مستحاقتها المالية بعد مطالبة محافظة الإسكندرية بتقديم الأوراق والمستندات الدالة على وجود تأمينات للعاملين بالشركة.. وأوصى الجهاز المركزى للمحاسبات لدى محافظة الإسكندرية بضرورة اتخاذ الاجراءات القانونية ضد الشركة. وطبقا لتقارير هيئة الرقابة الميدانية الصادرة من ديوان عام المحافظة فإن حجم العمالة المنوط بها تأمين وحراسة المواقع المتعاقد عليها مع المحافظة لا يتجاوز 10% من العمالة الموجودة بالعقد.. وفى عدد من المواقع التى كلفت الشركة بتأمينها أمثال مساكن إسكان الشباب غرب الإسكندرية، ووحدة الإيداع بمحرك بك، اختفت قوة التأمين تماما.. وعلى الرغم من تلك المخالفات، طالبت الشركة محافظة الإسكندرية بفاتورة حساب تجاوزت 14 مليون جنيه مستحقات لها منذ ثورة يناير.. رغم أن الشركة التى تتقاضى الملايين قد ثبت فشلها فيما نجحت فيه اللجان الشعبية، حيث حدثت إتلافات فى المواقع المسئولة عن تأمينها تصل قيمتها 9 مليون و333 الف جنيه، وفقا لما ورد فى تقرير اللجنة التى شكلها المحافظ لحصر قيمة الاتلافات. وذكر تقرير اللجنة المشكلة من قبل المحافظ والذى يحمل رقم 1070/2011 أن الشركة أخلت بشروط التعاقد المبرم معها بأن تركت بعض المواقع بدون حراسة وخفضت الحراسة على باقى المواقع ما أدى إلى التعدى والاستيلاء على بعض المواقع واتلاف محتوياتها والحاق الأضرار المالية بالمحافظة. كما أوصى المستشار القضائى لمحافظة الإسكندرية بكر الصافى، فى تقرير رفعه للمحافظ بضرورة إلزام الشركة بدفع قيمة التلفيات للمحافظة، مع إلزام الشركة بالفوائد القانونية من تاريخ المطالبة وحتى السداد والزامها بالمصروفات. واعترفت الشركة على نفسها، بالتقصير فى حراسة المنشآت المتعاقد عليها مع المحافظة من خلال بلاغ قدمته لمحافظ الإسكندرية الدكتور أسامة الفولى طالبته بتوفير مدرعات بالتنسيق مع القوات المسلحة والشرطة لحراسة عدد من المنشآت التابعة لها نظرا لعدم قدرتها على تأمينها فى ظل الانفلات الأمنى. وعلى الرغم من هذا الاعتراف "الضمني" أرسل صاحب الشركة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة للمطالبة بسرعة صرف المستحقات الخاصة بحراسة بعض المواقع التابعة لمحافظة الإسكندرية عن العام الماضي، مستنكرارفض المحافظة السداد.. واستمرت الشركة فى المطالبة بمستحقاتها المالية من المحافظة حتى أصدر محافظ الإسكندرية الدكتور أسامة الفولى قرار رقم 471 لسنة 2012 بصرف مستحقات الشركة بالفعل، على الرغم من كافة التقارير التى تطالب الشركة بسداد تعويضات نتيجة تقصيرها.. وأعفت المادة الاولى من قرار الصرف الشركة من المسئولية عن التلفيات نظرا للظروف القهرية بشرط التنازل عن القضايا المرفوعة ضد المحافظة، مما يوضح أن تسوية ما، تمت بين الشركة والمحافظة على طريقة "سيب وانا أسيب"! وقال محافظ الإسكندرية الدكتور أسامة الفولى : "إن بداية التعاقد مع الشركة لم تكن خلال عهده، وأنه حينما تولى المسئولية أوقف صرف مستحقات الشركة لحين عرضها على المجلس التنفيذى ثم تم رفع العديد من طلبات الشركة بصرف مستحقاتها لمجلس الوزراء للنظر فيها".. وأضاف أنه سوف تستمر محافظة الإسكندرية خلال الفترة القادمة فى طرح المناقصات الجديدة على شركات الحراسة الموجودة بالمدينة لتأمين كافة المنشآت الحيوية خاصة بعد تراجع الدور الأمنى بالمدينة بعد ثورة يناير . وحصلت الوطن على خطاب من محافظ الإسكندرية الدكتور أسامه الفولى إلى وزير التنمية المحلية الدكتور محمد عطية يخلى فيه المحافظ مسئوليته عن التعاقد مع الشركة خاصة وأنه تم بالأمر المباشر فى عهد غير عهده.. وذكر المحافظ فى خطابه للوزير "أنه قد تم التعاقد بالأمر المباشر مع شركة الحراسة فيما تجاوز الحدود المنصوص عليها بالبند ب من المادة 7 من القانون رقم 89/1998 بشأن المناقصات والمزايدات". وكان المستشار القانونى للمحافظة بكر الصافى قام بتغيير كلمة "تلفيات" الصادرة فى تقرير المتابعة إلى كلمة "غرامات".. وبموجب هذا التغيير فى المصطلحات تم إعفاء الشركة من تهمة التقصير، وإسقاط ما ينبغى عليها أن تسدده من شروط جزائية، منصوص عليها فى العقد، فيما يحدد العقد الغرامات بما لا يزيد عن 3% من قيمة التلفيات.