وسط سوق شعبى، تتحرك سيدة أربعينية، بملابس رثة تشخص ببصرها إلى الخضراوات والفاكهة المتراصة فى أروقة السوق، تقترب من أحد الباعة، تقلب بأصابع يدها اليمنى وسط ثمار الفاصوليا الخضراء، القابعة على «فرشة» بائع خضراوات ثلاثينى العمر، على شكل تل هرمى صغير، سعى جاهدا إلى تصميمه بطريقة تجذب المارة. تستعلم المرأة عن سعر الكيلو، ليأتيها رد البائع «ب7 ونص»، لتبدأ ربة المنزل سناء منصور فى عملية «فصال»، يتجاوب معها البائع بالإشارة بسبابته إلى نوعين آخرين من الفاصوليا على يسار «فرشته»، الأول أقل جودة من المعروضة وحدد سعره ب5 جنيهات، بينما النوع الآخر عبارة عن كومة صغيرة من الفاصوليا التالفة المعطوبة وغير الناضجة، أو كما يطلق عليها البائع «السرادة» التى سعرها ب«3.5»، لتجد السيدة ضالتها التى تناسب إمكانياتها، وتكتفى بشراء نصف كيلو. «السرادة» من الخضراوات والفاكهة لها زبائنها من الفقراء ومعدومى الدخل، منهم «سناء» التى تعيش مع أسرتها المكونة من زوجها الذى وصفته ب«الأرزقى»، يعمل فى فرز القمامة وليس له دخل ثابت، و8 أبناء، يعيش معها منهم 5 بعد زواج 3 من بناتها. ربة المنزل المقيمة بعزبة أبوحشيش تتردد على السوق لشراء احتياجات منزلها بعد الظهيرة أو آخر النهار، وترجع اختيار هذا التوقيت إلى سببين، الأول كما تروى هو رغبة البائع فى الانصراف بعد قضاء يوم كامل فى الشارع أمام بضاعته، ما يدفعه للتهاون فى عملية البيع بسعر أقل، وبينما السبب الثانى تجمع «السرادة» التى تشترى منها بسعر منخفض كثيرا مقارنة ب«وش القفص» على حد تعبيرها. تبتسم ربة المنزل بسخرية «حتى السرادة سعرها زاد النص»، ما دفعها لشراء نصف الكمية التى كانت تشتريها لتعوض النصف الآخر بزيادة ماء الخضار أثناء عملية الطهى، والاعتماد على العيش البلدى فى جميع الوجبات، بما فيها وحبة الغداء. الأسرة القادمة من الفيوم سعيا وراء الرزق تقيم فى منطقة عشوائية بالقرب من مزلقان القطار بعزبة أبوحشيش، المطلة على شارع بورسعيد، فى شقة صغيرة تتكون من غرفتين وحمام ومطبخ، يدفع عم فتحى رب الأسرة 200 جنيه إيجاراً شهرياً، يسعى جاهداً لأن يوفرها قبل كل شىء، حتى لا يُطرد منها، وتأتى المصروفات الدراسية الخاصة بابنه أحمد الطالب بالصف الأول الإعدادى فى المكانة الثانية بعد إيجار الشقة، مضيفاً أن إدارة المدرسة أحياناً تعفى ابنه من المصروفات المدرسية، وأخرى تصر على دفع هذه المصروفات، بينما الأكل واحتياجات البيت تأتى فى المرتبة الثالثة بالنسبة للرجل، على عكس زوجته التى تضعه فى المرتبة الأولى، قائلة «الأسعار كل يوم فيها زيادة»، وتحدد على حسب مزاج البائع، «هياكل الفراخ» هى اللحوم التى تأكلها الأسرة، وهى عبارة عن العظام والأرجل والأجنحة المتبقية من لحوم الفراخ بعد إخلائها، موضحة أنها لم تنج من زيارة الأسعار، حيث وصل سعر كيلو الهياكل إلى 8 جنيهات، بعدما كان لا يتجاوز 4 جنيهات، بسبب الإقبال المتزايد عليها من الناس الغلابة، وعندما تتوافر الأموال لشرائها نذهب إلى محل الفراخ لحجزها. تحصر الأسرة دخلها الثابت فى 250 جنيها إعانة من إحدى الجمعيات الخيرية، يدفع منها 200 جنيه لإيجار الشقة الشهرى، بينما الرجل الخمسينى المسئول عن الأسرة يحصل يوميا من عمله فى فرز الزبالة على 20 جنيها، يدفع منها فاتورة الكهرباء والمياه، والباقى هو الذى يحدد نوعية الطعام وكميته، التى تكون فى أفضل حالاتها من هياكل الفراخ والخضراوات والفاكهة المعطوبة.