قادنى تأملى فى اللحظة الثورية الراهنة، مع الانقسامات الحادة فى الصف الثورى ما بين مدنيين ودينيين تارة، ومدنيين وعسكريين تارة أخرى، وعدم مقدرة ثلاثتهم على فهم واستيعاب ما هو مدرك ونعيشه، وابتعادهم نسبياً عن مراجعة سؤالين أساسيين هما: (1) لماذا فشلت حلقات الثورات الوطنية الديمقراطية المصرية عن استكمال حلقاتها الخمس؟ أقصد ثورة 1804 التى قادها الشريف عمر مكرم وأصدرت أول وثيقة دستورية فى الشرق والرابعة فى العالم بعد الفرنسية والأمريكية والإنجليزية ولكنه بدلا من أن يتقدم مع الشعب لحكم نفسه بنفسه، أتى لمحمد على باشا إلى سدة الحكم لتحكم الأسرة العلوية مصر من 1805 حتى 1952، ثم ثورة عرابى 1882 التى حققت الكرامة الوطنية وانتهت بكارثة الاحتلال البريطانى لمصر لمدة سبعين عاماً، ثم ثورة الشعب الكبرى 1919 بقيادة سعد زغلول التى تمخضت عن تصريح 22 فبراير 1922 وما تلا ذلك من إقرار دستور 1923 الذى رفضه سعد والوفد! وانقسم الثوار وتفتت الوفد إلى أحزاب أقليات تطاحنت وتصارعت ووصل الأمر برفاق الأمس الثوريين مثل الديكتاتور صدقى باشا والقبضة الحديدية محمد محمود أن يستشهد برصاص حكوماتهم من المصريين ما يقارب عدد من أسقطهم رصاص الاحتلال البريطانى، ثم ثورة 23 يوليو 1952 التى استطاعت تغيير مصر اجتماعياً وسياسياً ولكنها فشلت فى إقامة حياة ديمقراطية سليمة مما أدى بالسادات أحد قادة هذه الثورة إلى أن يفرغها من مضمونها، وها نحن أمام ثورة 25 يناير 2011 التى قد تلقى نفس مصير الحلقات السابقة، خاصة أن أخطاء الثوريين أدت بقطاعات كبيرة من الشعب لأن تصوت فى الانتخابات الرئاسية خاصة فى الجولة الثانية لغير التيارات التى فجرت الثورة! (2) كذلك فالسؤال الملح: لماذا فشلت هذه الحلقات الخمس منذ 1804 وحتى الآن فى إقرار دستور؟ لأن وثيقة 1804 ألغاها محمد على باشا فى 1805 وحكم مصر حكماً مطلقاً، ودستور 1923 لم يفعّل إلا سبع سنوات هى سنوات حكم الوفد، ومنذ 1952 وحتى الآن لم يصادفنا دستور حقيقى، فدستور 1954 لم يقر، ودستور 1971 فرغ من مضمونه فى العام نفسه، والهيئة التأسيسية الأولى التى أقرها البرلمان ذو الأغلبية الإسلامية أوقفها القضاء الإدارى، والهيئة التأسيسية الثانية مطعون فيها أمام القضاء، ومن يقوم بتحليل مضمون الحوارات والجدل داخلها يكتشف أن أكثر من 80% من تلك الحوارات حول المادتين الثانية والثالثة، وكأن الله سبحانه وتعالى وشريعته السمحاء يحتاجان لدستور وضعى لإقرار وجودهما!! أما محاولة الإجابة عن السؤال الأول، فإنها تفجر عدة أسئلة أخرى، مثل: هل هناك تناقض بين الحالة الثورية للشعب المصرى والحالة الإصلاحية غير الثورية لقياداته الدينية أو العسكرية أو المدنية؟ بحيث يطرح سؤال آخر: هل هذه القيادات تسعى للتغيير الكيفى أم للإصلاح؟ أم أنها تبتغى الحكم فحسب؟ وهل التناقض الرئيسى بينها وبين بنية النظام السابق أم مع طليعة الشعب الثورية؟ أما السؤال الثانى الخاص بالدستور، فالشعب المصرى على مر تاريخه كان مؤهلاً للحياة الدستورية والديمقراطية، وليس أدل على ذلك من أن الشعب المصرى دفع آلاف الشهداء من 1930 وحتى 1935 من أجل عودة دستور 1923، فهل النخب مؤهلة للحياة الدستورية والديمقراطية أم لا؟