"لا تصدق ضرورةَ أن تكون النهاياتُ حاسمةً".. هكذا يقول، لكن اليوم، كانت النهاية حاسمة، وقبضت روحه إلى بارئها، مفارقًا الحياة، ومتوقفًا عن نظم الكلمات، والشدو بالشعر. إنه الشاعر الكبير حلمي سالم الذي رحل عن عالمنا اليوم، بعد أن بلغ من العمر 61 عامًا. يعد سالم من رواد جيل السبعينيات الشعري، الذي حمل على عاتقه، مع آخرين، مهمة تحديث قصيدة التفعيلة، عقب جيل الرواد في الخمسينات والستينات، وكان عضواً في لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، حتى استقال منها عام 2006، معللًا استقالته، بغياب أجواء الديمقراطية عن الشعر في مصر، وذيوع البيروقراطية التي لا تسمح للشاعر بالعمل في أجواء ملائمة. حلمي سالم، حين كتب قصيدة "من شرفة ليلى مراد"، أثار ضجة بالغة في الوسط المصري؛ حيث قامت أكثر من مائة شخصية مصرية، يغلب عليها الاتجاه الإسلامي، بالتوقيع على بيان، يطالب باستتابته؛ إذ اعتبرته خارجًا عن ملة الإسلام، لقوله في هذه القصيدة: "الطائر الرب ليس عسكري مرور إن هو إلا طائر، وعلى كل واحد منا تجهيز العنق لماذا تعتبين عليه رفرفته فوق الرءوس؟ هل تريدين منه أن يمشي بعصاه في شارع زكريا أحمد ينظم السير ويعذب المرسيدس؟" لكنه خرج بعدها قائلًا إنه لم يذنب كي يتوب، كما أكد أن الإساءة إلى الذات الإلهية لم ترد له على خاطر، وقال نصًا: "تنزه الله تعالى عن البطش"، لكنه فقط قصد انتقاد تواكل وخمول المتواكلين على الله بلا عمل، واعتبر الراحل وقتذاك أن ذلك محاربة من قوى ظلامة، تتستر في عباءة الدين، لمحاربة الإبداع. وفي ظهر اليوم، بعيدًا عن صخب الأحداث، يرحل حلمي سالم، المولود في محافظة المنوفية عام 1951، والذي اشتغل بالصحافة، مخلفًا وراءه تراثا شعريا؛ حيث كتب الراحل عدة دوواين شعرية عديدة؛ منها: "البائية والحائي"، "سراب التريكو"، "دهاليزي والصيف ذو الوطء"، "تحيات الحجر الكريم". وله كتب نثرية منها: "عم صباحًا أيها الصَّقر المجنَّح"، "دراسة في شعر أمل دنقل"، "ثقافة كاتم الصوت".