ترقب المصريون فى 24 يونيو 2012 بقلق شديد إعلان الفائز فى انتخابات الرئاسة، فلما أُعلن فوز د. محمد مرسى تنفس الناس الصعداء، وعمت فرحة عارمة ربوع الوطن.. أخيراً ستعود مصر «المخطوفة» إلى أهلها. بيد أن تلك الفرحة لم تدُم طويلاً، إذ سرعان ما بدأ أعداء هذا البلد تنفيذ خُطتهم المُعَدّة سلفاً، انبنت هذه الخطة على إفشال الجهود المخلصة لانتشال مصر من وهدة عصر «مبارك» ومَن قبله، عن طريق الأزمات المفتعلة والكذب الممنهج والقضاء المسيَّس، وأزمة بعد أزمة، وكذبة بعد كذبة، أخذت الخطة تُحقق نجاحاً. وكان للقضاء «الشامخ» دور مهم، بإرباكه توطيد دعائم الجمهورية الجديدة، وانظر إلى قضاة حاربوا «مرسى» أشد المحاربة وأعتاها، مدَّعين حمايتهم للقانون وذودهم عن الدستور، فما إن حدث الانقلاب حتى بادروا إلى تأييده ضاربين عُرض الحائط بهما. بل احتل مقعد الرئاسة «المظهرية» بدلاً من الرئيس الشرعى المنتخب، و«المخطوف»، حالياً، رئيسُ «المحكمة الدستورية العليا»، التى ناصب قضاتُها «مرسى» سافر العداء. ولقد استغل من يخططون لإبقاء مصر تحت نِير الخنوع والعَوَز فكرة «ملائكية المتدين» غير الواقعية، التى رُسِّخت فى أذهان المصريين منذ الاحتلال الأجنبى، وتتلخص فى أن المتدين -الشيخ- يجب ألا يخطئ كما يخطئ البشر! مع أنه بشر، لاحظ واقعتَى «على ونيس» و«البلكيمى». ومن هنا صادفت فكرة «لا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة» هوى لدى فئات من المصريين، على اعتبار أن «السياسة نجاسة»! وهذا غير صحيح بالمرة؛ فلا المتدين مَلَك ولا السياسة «نجاسة». والغرض من تلكم الفكرة إبعاد ذوى التوجه الإسلامى عن دائرة المنافسة على الحكم. وقامت الخطة، التى ما كان لها أن تنطلى لولا أن صادفت بيئة قابلة لها، على تقسيم الشعب المصرى إلى أقسام، ووجَّهت إلى كل قسم ما يناسبه من الأكاذيب والأزمات: فالمهمومون بضرورات الحياة جاءوهم من حيث يحتسبون؛ من لقمة العيش، فخنقوهم. والذين تستهويهم نغمة «الوطنية» أظهروا «مرسى» لهم غير مهتم إلا بمصالح جماعته على حساب الوطن. والمنتمون إلى التيار الإسلامى أثاروا فى أذهانهم سؤال: لماذا لم يطبق «مرسى» الشريعة؟ حتى «المسطَّحين» كان لهم نصيب معتبر، ف«مرسى» «نحس» أينما حلَّ حلَّ معه الخراب! إلى آخر أقسام الخطة الجهنمية. فانفض نتيجة ذلك عن «مرسى» مصريون كُثر، إما تصديقاً وإما بعداً عن كد الذهن وتلف الأعصاب، ولكن بقى من كل قسم بقية، لم تعمِ بصائرَهم الأوهامُ والأباطيلُ. ولما بلغت هذه المرحلة من الخطة ذروتها بالانقلاب العسكرى، توحدت بقايا الأقسام فى اعتصامى «رابعة» و«النهضة» وميادين الحرية الأخرى مدة 50 يوماً تقريباً، بسلمية وإصرار على عودة الشرعية. عِيلَ صبر أعداء الوطن، فأخرجوا ورقتهم الأخيرة ليفضوا الاعتصامين، وهى «الضرب فى المليان»؛ فى سويداء القلب، فى حبة العين، فى جمجمة الرأس، فسقط قتلى وجرحى وفُقد آخرون، وأُحرقت الجثث وذُفِّف على الجرحى.. ارتقوْا شهداء، مخلفين وراءهم غُصة فى الحلوق، ولوعة فى الأكباد، وحرقة وانصداعاً فى القلوب.