«ما إن فرغ إمام المسجد من صلاة الظهر، حتى وجدنا قوات الأمن المركزى تتدافع نحونا، وقنابل الغاز المسيل للدموع تطرد نسمات الرحمة من داخله، وتحولت همهات المصلين -التى كانت قبل لحظات استغفارا وتكبيرا ودعوات- بفعل الغاز الخانق إلى صراخ واستغاثات.. وقتها أدركنا أن ساعة الثورة حانت وأن الشرارة الأولى أطلقت من هنا.. من مسجد القائد إبراهيم»، هكذا بدأ شحاتة أحد العاملين حكايته عن المسجد والثورة. قال شحاتة إن بداية التظاهرات كانت يوم 28 يناير «جمعة الغضب»، تجمّع آلاف المصلين، وحين فرغ الإمام من صلاة الجمعة، خرجوا يهتفون بسقوط النظام، وبدأت الاشتباكات ودوى طلقات الرصاص يزلزل ميدان محطة الرمل -المجاور للمسجد- ويرعب المصلين المتحصنين ببيت الله، ومع كثافة الغاز تداعى بعضهم من شدة الاختناق لدرجة أننا فتحنا النوافد وشغلنا المراوح رغم برودة الطقس وقتها، وكان بعض الثوار يحتجز «الرهائن» أفراد الأمن المركزى الذين يتم احتجازهم أثناء الاشتباكات. يضيف هيثم محمود، طالب بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية، إن المسجد يتميز بقربه من الجامعة، وكان مقراً لانطلاق المسيرات والمظاهرات والمليونيات مروراً بشارع بورسعيد إلى المنطقة الشمالية حتى أسقطنا مبارك، وكان اعتصامنا طوال مدة الثورة هنا أمام المسجد وبحديقة الخالدين وسعد زغلول، وأصبح المسجد يمثل لأهالى الإسكندرية رمزا للصمود والحرية. يقول خيرى أحمد، أحد العاملين بالمسجد، إن اندلاع المظاهرات من المسجد لم يكن فقط وليد الثورة بل سبقها تجمع أعداد من شباب الجامعة للتظاهر عقب مقتل «خالد سعيد»، ومن هنا أيضاً شُيعت جنازة الدكتورة «مروة الشربينى». يضيف: «لما مشى المخلوع الثوار شالوا اسمه من على اللوح التذكارية الموجودة على بوابة المسجد»، وأقام طلاب كلية الطب نصبا تذكاريا للشهداء وكتبوا أسماءهم على حائط المسجد من الخارج. وتابع: عقب موقعة الجمل عاد الشيخ أحمد المحلاوى خطيباً للمسجد بعد أن كان ممنوعاً من اعتلاء المنبر منذ عام 1996، وكانت أحداث الثورة هى محور الخطبة، وحكى الشيخ عن مواقف أمن الدولة معه والقبض عليه. مسجد القائد إبراهيم من أشهر المساجد التى بنيت بالإسكندرية فى منطقة محطة الرمل، ويشتهر بمئذنته الشاهقة المميزة بساعة كبيرة، كما يتسم بزخارف من عصور مختلفة، وتتبعه دار مناسبات زادت من شهرته نظراً لإقامة سرادقات العزاء بها، وهو يطل على البحر مباشرة، فضلا عن موقعه المتميز بميدان محطة الرمل الشهير بوسط الإسكندرية. يعود تاريخ بنائه إلى عام 1948 فى الذكرى المئوية لوفاة القائد إبراهيم باشا ابن محمد على والى مصر ومؤسس دولة مصر الحديثة، قام بتصميمه المهندس المعمارى الإيطالى المقيم فى مصر وقتها، ماريو روسى، الذى كان يشغل منصب كبير مهندسى الأوقاف عقب مسابقة أقيمت لذلك، وأصبح القائم على أعمال القصور والمساجد فى عهد الملك فؤاد الأول. ويعتبر الأشهر على الإطلاق بالإسكندرية فى إقامة صلاة التراويح والتهجد خلال شهر رمضان، حيث يأتيه المصلون من جميع مناطق وأحياء الإسكندرية ويستوعب ما يقرب من 10 آلاف من المصلين، ويمتلئ عن آخره فى رمضان، ويلتف المصلون من حوله إلى ميدان محطة الرمل وميدان صفية زغلول والكورنيش، وقد تصل صفوف المصلين إلى مكتبة الإسكندرية ومنطقة الشاطبى.