«كل بيت فى سوهاج فيه بندقية آلى، واللى ما عندهوش بيتكسف يظهر فى الاحتفالات والمناسبات العامة».. يتحدث «أ. م»، أحد أبناء قرية نزلة الحزمين التابعة لمركز جهينة بمحافظة سوهاج، عن أسباب انتشار السلاح فى محافظة سوهاج بين الأهالى، يقول إن الغياب الأمنى المستمر فى محافظة سوهاج تسبب فى سعى الجميع لشراء بنادق آلية، أو طبنجات حديثة، والاحتفاظ بها فى المنازل، لمواجهة تداعيات الأحداث الأخيرة التى أعقبها انفلات أمنى، وظهور البلطجية لأول مرة فى محافظة سوهاج، ومن ثم ظهور حوادث الخطف لطلب الفدية، والقتل على طريقة «التربص» و«قطع الطرق» و«حوادث السرقة بالإكراه». حديث السلاح فى محافظة سوهاج يطول، الجميع يعترفون بامتلاكهم أسلحة، لكنهم فى الوقت نفسه يرفضون الإدلاء بأسمائهم الحقيقية، يخفون هوياتهم كما يخفون أشكالهم. على بعد خطوات من نقطة مركز شرطة جهينة جلس «س. ع» على دكة خشبية صغيرة تتوسط سور منزله الكبير، يعلق على جانبها الأيمن بندقيته الآلية، وبجوارها حقيبة الطلقات على مرأى ومسمع من المارة؛ نظراً لمعرفة جميع أفراد نقطة الشرطة بوجود سلاح فى منزله، وعلمهم أنه لا يستخدمه إلا فى الحالات الطارئة؛ حيث يقول إن الأجهزة الأمنية فى محافظة سوهاج على علم تام بالمنازل التى توجد بها أسلحة ونوعيتها، وأكبر دليل يسوقه على ذلك أن قيادة كبيرة فى مديرية أمن سوهاج تواصلت مع الأهالى الذين يمتلكون أسلحة نارية لحماية أقسام الشرطة والمنشآت العامة أثناء ثورة 30 يونيو، وصد هجمات الإسلاميين عليها، ومن قبلها ثورة 25 يناير، التى حمت فيها نفس الأسلحة أقسام الشرطة بالرغم من انسحاب أفرادها. أعداد كبيرة من البنادق الآلية والخرطوش وكميات من الطلقات بمختلف أنواعها، أطلعنا عليها «ع. ف»، أحد تجار السلاح بقرية «عينيبس» التابعة لمركز سوهاج، الذى رفض اتهامه بالاتجار فى شىء ممنوع؛ لأن شراء الأسلحة فى مختلف محافظات الصعيد «أصبح اعتيادا عائليا» -على حد تعبيره- فيقول: إن سكان الصعيد يقومون بشراء السلاح قبل أثاث منازلهم لأسباب كثيرة، أهمها: الوجاهة الاجتماعية بين العائلات وبعضها البعض، خاصة فى المناسبات والاحتفالات العامة والأفراح، بجانب حمايتهم من هجمات البلطجية الذين ظهروا خلال الثلاث سنوات الأخيرة بشكل غير مسبوق، ويقوم الأهالى بإبلاغ ضباط أقسام الشرطة قبل شرائها احتراماً لهم وحتى لا يقوموا بمداهمة منازلهم فى مقابل عدم قيام الأهالى بضرب النار إلا فى أضيق الحدود. يضيف الرجل الخمسينى، الذى يعد واحداً من أكبر تجار السلاح فى محافظة سوهاج، كما يصف نفسه: «أعمل بهذه المهنة منذ عشرات السنين، وأدرك منذ اللحظة الأولى السبب الرئيسى الذى يقف وراء شراء أى شخص لقطعة السلاح، وهو ما لاحظته على مدار الشهور الماضية بعد ظهور وسطاء جدد لم يكن لهم دور من قبل، واتجاه بعض سكان القرى والنجوع الفقيرة لبيع أراضيهم الزراعية لشراء السلاح، وهو ما تسبب فى ارتفاع أسعار الأسلحة للمرة الأولى فى المحافظة». وفى منزل بالطوب اللبِن منخفض الارتفاع تعيش بداخله ثلاث أسر كاملة بها 21 فردا بأحد النجوع المحيطة بمدينة سوهاج، يعتمدون فى معيشتهم على الزراعة وتربية المواشى والاتجار فيها، قام عائلهم «م. ن» ببيع 5 قراريط بمبلغ 50 ألف جنيه لشراء بندقيتين آليتين لتأمين عائلته وحماية أرضه وماشيته؛ حيث يقول إنه لم يتردد لحظة واحدة فى بيع الأرض حتى يشترى بثمنها سلاحا يحمى به أفراد عائلته من حالة الغياب الأمنى التى سيطرت على المحافظة خلال العامين الماضيين «هتفيدنى بإيه الأرض لما عيل من عيالى يتخطف، ولما الزريبة تتفتح ويتاخد اللى فيها؟ هابقى اتفضحت وسط الناس وخلاص».