بداية خاطئة من الأساس.. معلومة صديقه التي أذعن لها ودوافعه ترشده ورغبته الحثيثة في تحقيق الحلم لم تدعه يفكر في التراجع حتى! كيف له وهو في عامه الحادي والعشرين أن يبدأ الطريق الذي يسارع إليه الجميع في السادسة على أكثر تقدير؟ أخبره صديقه أن كثرة التمرينات هي الحل لتعويض هذه الفجوة، ليبدأ صفحته مع التنس بالعديد من العثرات.. نجاح فاجأ به الجميع.. لا بد أنه متفق مع هولاء المدربين! كم من الرشاوى تلقوها منه؟ لا مفر من إغداقه عليهم بالهدايا.. يحسم قراره ويتجه إلى إسبانيا ويتركهم لظنونهم وعبثهم ليكون تمرينه مع من يصغرونه بأعوام! ياله من أمر صعب أجبره على صراع جديد مع الزمن هذه المرة.. قرر أن تكون خطوته القادمة في فرنسا والمشككين في نجاحاته في تزايد مستمر! لا لوم عليهم وهو يقدم مستويات مذهلة يعجزون عن تصديقها.. عودته من جديد لإسبانيا وتدربه على يد أفضل المدربين ومنهم مدرب الأيقونة نادال الذي آمن به وساهم في تطور مستواه بمعدل لا يخطر على بال أحد. تمرينات متواصلة، لتكون الرصاصة الأولى بقطع في الظهر ويكون الحل بتركيب المسامير، وبالتالي الابتعاد عن اللعبة التي تختلط بروحه ويمتزجان سوياً، ليرفض هذه الوسيلة ويعتزم التمرين على كرسي متحرك وانتظار التئام القطع في تجربة مريرة من الصعب وصفها. كرم من الله عز وجل بإتمام الشفاء والعودة للبطولات الدولية عبر بوابة مقدونيا، لتكون الخسارة بسداسية وبعدها السقوط أرضاً. ليت عقارب الساعة توقفت حينها كى لا يواجه حقيقة إصابته بفشل في النخاع العظمي وعدم وجود كرات دم أو صفائح دموية لتكون ضرورة حجزه في المستشفى وحاجته اليومية للمتبرعين بدمائهم! لم يكن هذا حلاً.. من يحصل على أجزاء من النخاع من شخص آخر من الصعب أن يكمل حياته بشكل طبيعي، قاعدة طبية يعرفها الجميع ويُقرها المرض اللعين الذي يفوق السرطان بشاعة. كلها لطمات من المستحيل التصدي لها أو حتى المحاولة! تعرضه بعدها للطرد العكسي والتدمير في الجهاز الهضمي، والدور على الكبد في المرة القادمة ووصوله لحوالي 150 كيلو تبعهم تعرضه للهشاشة في عظامه. مواجهة المرآة يعد طقساً مرعباً بعد تغيير شكله تماماً واحتمالية بتر يديه نتيجة الغرغرينا التي طالتهما والقرار بمنعه من التعرض من الشمس. سبع سنوات من الكوارث التي تنصب عليه دون هوادة.. يغادر المستشفى ليعود لها من جديد ولكنه السبب هذه المرة! لا بد أنه يهذي.. لماذا لا يلازم فراشه كي لا تنتابه الآلام من جديد؟ هل تأثر عقله؟ يحاول اللعب مرة أخرى؟ لا يكتفي فقط بالمحاولة! يستمر في الملعب قرابة الخمس ساعات! ألم يكفه ما حدث؟ يعود مجدداً إلى إسبانيا لتتحمل أحد الأندية هناك تكلفة علاجه ويتحمل تكلفة إقامته، ويساعدوه بدنياً لتكون معانقته للبطولات المحلية من جديد. هذا ليس كافياً بالنسبة له! من أين له بهذه القرارات؟ الإجابة في التكريمات المتعددة التي تُصمم خصيصاً لأجله، وهو الذي يتمرن الآن لأكثر من 8 ساعات وينتظر اللحظة التي يُتوج فيها بأحد البطولات الدولية ويُكلل حينها كل ما قام به. من خضام البشر اختارته الحياة ليكون رمزاً للمقاومة. لحظة.. فالمصطلح لا يليق بكل ما تعرض له أنور الكموني، وقد تكفل وحده بالعديد من الصفعات على وجه المتخاذلين واليائسين والجالسين في فراشهم ينتظرون النجاح.