يبدو الفريق أول «عبدالفتاح السيسى» الشخص الأكثر غموضاً داخل المشهد السياسى المصرى، وفى الوقت نفسه الأكثر خطورة، سواء من وجهة نظر مؤيديه أو معارضيه. فمؤيدوه يرون فيه الفارس الذى طال انتظاره، الذى استطاع أن ينقذ الشعب من حكم الإخوان، ويحمى مصر من شر الحرب الأهلية، وإرهاب جماعات العنف السياسى، وتأسيساً على ذلك يرى فريق المؤيدين أن «السيسى» هو الشخص الأجدر والأقدر على حكم مصر بعد (30 يونيو). وفى المقابل ينظر فريق المعارضين من أعضاء جماعة الإخوان ومناصريهم إلى «السيسى» وكأنه «الشر المستطير»، فهو من وجهة نظرهم خارج عن الحاكم الشرعى، ومنقلب على الرئيس الشرعى المنتخب الذى أقسم يمين الولاء له، لكنه تنكّر للقسم، ليعيد مصر مرة ثانية إلى حظيرة الحكم العسكرى. يختلف الفريقان فى كل شىء، لكنهما يتفقان على الربط بين «السيسى» ومسألة رئاسة جمهورية ما بعد الإخوان. فالمؤيدون يرون أنه سوف يكون الرئيس القادم عن جدارة واستحقاق، والمعارضون يرون أنه سيكون الرئيس القادم ب«الانقلاب» على الرئيس الشرعى، لكن أحداً لم يتوقف -بشكل متأنٍّ- ليتبين معالم خريطة عقل السيسى، ويجيب عن الأسئلة الأخطر فى هذه الفترة من تاريخ مصر، ومن بينها: هل يريد الفريق «السيسى» حكم مصر ما بعد الإخوان فعلاً، أم أن الأمر غير ذلك، وأن وقوفه إلى جوار الشعب فى 30 يونيو تأسس على قناعته بعدم قدرة «مرسى» على الحكم، وانحيازه لحق الشعب فى تقرير مصيره، وأنه ساند الإرادة الشعبية بوازع وطنى دون رغبة فى الحصول على ثمن يتمثل فى كرسى الحكم؟ وعلى فرض أن «السيسى» يريد حكم مصر ما بعد الإخوان.. هل يستطيع ذلك؟ وهل يمتلك القدرات التى تمكّنه من الوصول إلى هذا الهدف؟ وإلى أى حد يمكن أن تدعم أو تعاكس الأطراف المختلفة التى تتفاعل داخل المشهد السياسى والمعطيات التى يشتمل عليها هذا المشهد رغبة «السيسى» فى الوصول إلى هدفه؟ وهل العائق الأخطر أمام وصول «السيسى» إلى الحكم يتمثل فى الإسلاميين أم فى فلول نظام «مبارك»؟ قبل أن أجيب عن هذه الأسئلة التى تُعد الأخطر فى اللحظة الراهنة التى تعيشها مصر، علينا أن نسلِّم بداية أن الإجابة عنها لا بد أن تستند إلى قراءة متأنية ل«عقل السيسى» وما يعتمل فى «دماغ» الرجل، حتى نضمن لها الدقة والاقتراب من التعبير عن الواقع، ثم علينا أن نعترف ونحن بصدد تحليل عقل «الفريق» أننا نقف أمام شخصية استثنائية، ليس بالمدلول التاريخى، إذ لم يقدم الرجل حتى الآن ما يجعله شخصية استثنائية على هذا المستوى، لكن يصح أن ننظر إلى «السيسى» كشخصية استثنائية على مستوى اللحظة التى تعيشها مصر. فالرجل -مقارنة بكل الشخصيات التى تطل برأسها فى مصر الآن- يبدو أكثر قدرة على تحديد الهدف، ورسم الخطط، وإدارة المواقف، والبراءة من التردد، والقدرة على القيادة، ولكن هل تأتى الرياح بما تشتهى سفينة أحلامه؟!