بعدما قرر الإنجليزي "توماس أوستين" أن يُقيم في أستراليا اشتاق إلى هواية الصيد، لذلك قرر إطلاق أربعة وعشرين أرنبًا بريًا وسط المزارع ليتسنى له التمتع باصطيادها، ولكن يبدو أن بعضهم استطاع الهرب من رصاصات "أوستين" الذي لم يتخيل أبدًا أنهم سيتكاثرون بهذه الدرجة حتى قُدرت أعدادهم بمئات الملايين! أصبحت الزيادة الهائلة في أعداد الأرانب كفيلة بتهديد الحياة الزراعية، وبالتالي التأثير على استقرار القارة بأكملها.. ورغم أن أرانب "أوستين" جاءت إلى أستراليا في القرن التاسع عشر، إلا أن القارة لا تزال تعاني حتى الآن نتيجة إهمال وجود أعداد صغيرة منهم في البداية. نحن لا نعاني من مشكلة في تواجد الأرانب البرية، إلا أننا نلاحظ أحيانًا تواجد سلوكياتهم التي ربطها "أيسوب" في بعض حكاياته بالميل إلى الحديث عديم الفائدة. الأرانب البرية تتعامل مع العملية العسكرية الشاملة لمكافحة الإرهاب بطريقة خلط الأوراق، فلا يميزون الفارق الشاسع بين إمكانية الاختلاف حول السياسات أو ضرورة انتقاد أساليب الإدارة الخاطئة، وبين وجوب التأييد المطلق للوطن في معاركه الكبرى. يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي في نشر أحاديثهم عديمة الفائدة التي تتراوح بين التشكيك في قدرتنا على مواجهة الإرهاب، أو السخرية من شراء الجيش للأسلحة، أو حتى تأييد جرائم الجماعات المتطرفة.. يُغضبهم أن مصر قادرة على بسط الأمن في الأرض، وحماية مصالحها الاقتصادية في البحر. ومن مصر التي تحارب الإرهاب بأيدي أبنائها لتطهير أرضها إلى تركيا التي تخترق أراضي الغير بسياسة التحالف مع الميليشات والحرب بالوكالة، فإن الأخيرة -رغم افتقاد معاركها للجانب الأخلاقي- لم تسمح أبدًا باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للاعتراض أو التشكيك في عملياتها العسكرية بسوريا باعتبار أن اصطياد الأرانب البرية في البداية سيكون أكثر فائدة من انتظار تكاثرها. وعلى الرغم من حدة الموقف التركي تجاه مستخدمي هذه الوسائل -الذي لا يُنصح أبدًا بالاقتداء به- إلا أنه يبقى دائمًا لكل مجتمع محددات توضح الأمور اللائق عملها أو تلك الواجب تجنبها، ويبلورها في شكل عادات تتحول إلى تشريعات وقوانين منظمة، فالحرية لا يمكن أن تكون مطلقة وإلا تحولت إلى فوضى لذلك سيكون علينا العمل على دعم توظيف وسائل التواصل الاجتماعي في التثقيف، والنقاشات الجادة، ونشر المعلومات الصحيحة، ونبذ الكراهية والعنف بدلًا من ترك المساحات مفتوحة للبعض لإساءة استخدامها في تأييد الجماعات الإرهابية.