تعد الجمعيات الأهلية ركناً أساسياً من أركان المجتمع المدنى، وقد طرحت لجنة الخبراء حق تكوين الجمعيات وذلك بالنص على أن «للمواطنين حق تكوين الجمعيات والأحزاب بمجرد الإخطار»، أى إخطار وزارة الشئون الاجتماعية، وذلك بدلاً من جعل تأسيس الجمعيات مرهوناً بموافقة الحكومة، وخيراً فعلت. لكن المشكلة أنها أحالت تنظيم هذا الحق إلى القانون، وهو ما كنا نعانى منه فى دستور 1971، الذى كان أهم سماته النص على الحق فى الدستور والإحالة إلى القانون لتنظيمه، وجرت العادة بدلاً من أن ينظم المشرع الحق يقوم بوضع قيود على ممارسة المواطنين له. وقد كانت البيئة القانونية التى تعمل فيها الجمعيات الأهلية قبل الثورة وما زالت بعد الثورة تتناقض تمام التناقض مع القاعدة الأساسية فى تنظيم الجمعيات، وهى العمل الأهلى التطوعى المبنى على الإرادة الحرة لمؤسسيه، حيث إن القانون المنظم للجمعيات الأهلية رقم 84 لسنة 2002، الذى جاء على أطلال القانون رقم 153 لسنة 1989 المنعدم بحكم المحكمة الدستورية العليا، نص على قيود شديدة على عمل الجمعيات، منها: (1) عدم تسهيل أسس وإجراءات إنشاء وتسجيل الجمعيات. ويظهر ذلك من خلال فرض كثير من القيود على تأسيس الجمعيات وكثرة الشروط والبنود التى يستلزمها التأسيس والتسجيل، وفى بعض الأحيان يتطلب التسجيل مستلزمات لا ضرورة لها وأخرى يكون طلبها مخالفاً أساساً لحرية الجمعيات فى العمل التطوعى الذى يسهم فى تطوير أفراد المجتمع المدنى. (2) تقييد الجمعيات فى ممارسة أعمالها، من حيث المراقبة على طريقة التأسيس والإدارة والمجالات التى تمارس فيها نشاطها. ويتضح ذلك من خلال تدخل الدولة فى الشئون الإدارية والمالية لهذه الجمعيات وتحديد النطاق الذى تمارس فيه الجمعيات أعمالها، ما يؤكد سيطرة السلطة التنفيذية على هذه الجمعيات، ما سوف ينعكس بالسلب على دورها وهدفها الإيجابيين فى تحقيق المنفعة لأفراد المجتمع المدنى فى كثير من المجالات، وينافى حق المؤسسين لهذه الجمعيات فى إدارة شئونها الإدارية والمالية، ويؤثر على علاقتها بالمؤسسات الأخرى بما يقيد مصالح الجمعيات (3) إسناد الحق فى حل الجمعيات والمنظمات إلى قرار الوزير المختص. حيث أعطى القانون الوزير الحق فى إصدار القرار بحل الجمعيات بدلاً من أن يكون هذا القرار صادراً عن محكمة مختصة وبقرار قضائى نهائى وبات، وهذا يتضح من نص المادة رقم (42) من القانون. ومكمن الخطر هنا فى كون الوزير يمثل السلطة التنفيذية ولا يمثل السلطة القضائية، وتدخله فى شئون الجمعيات ومن ضمنها حلها يعنى دخول السلطة التنفيذية إلى دائرة الحقوق والحريات العامة. (4) إخلال القانون بمبادئ دستورية؛ مثل مبدأ شخصية العقوبة، والقواعد العامة للتشريع الجنائى؛ مثل ازدواجية العقوبة، حيث يعاقب على نفس المخالفة جنائياً وإدارياً، وهذا واضح فى باب العقوبات المادة (76). وكل هذه الإجراءات تتناقض مع مبادئ حرية المجتمع المدنى، التى تعد الجمعيات الأهلية فى القلب منه. وإن كان الدكتور البرعى، وزير التضامن، قد شكل لجنة تعمل بجدية كبيرة لإصدار قانون يحرر المجتمع المدنى ويدعم تطوره، إلا أن التخوف من أن يظل الأمر رهن وجود أشخاص ذوى رؤية وخبرة وداعمين للمجتمع المدنى مثل الوزير الحالى ويتغير الحال بتغير الوزير. لذا من المهم تأكيد الدستور الجديد حرية المجتمع المدنى خاصة الجمعيات، وعليه فى كل مادة يحيل إلى القانون تنظيم الحق الوارد بها أن يؤكد أن تنظيم الحق لا يتيح للمشرع تقييده أو الانقلاب عليه.