ما أن بدأ الطيران التركي السبت بقصف مدينة عفرين وقرى عدة في محيطها في شمال سوريا، حتى فرغت الشوارع من المدنيين الذين لازموا منازلهم مع أطفالهم المذعورين وسارعوا للاحتماء داخل الطوابق السفلية والأقبية. وتقول ربة المنزل نسرين (اسم مستعار) التي تقيم في مدينة عفرين لوكالة فرانس برس "يرتعب ابني البالغ من العمر اربع سنوات كلما سمع صوت الطائرة، ويسألني ما الذي يحصل؟". وتضيف بحرقة "ما ذنبه أن يعيش حالة الرعب هذه هو الذي لم ير شيئاً من حياته جراء الحرب؟". وعلى غرار الكثير من سكان المنطقة، عمدت نسرين الى الاختباء مع أفراد عائلتها في احد الطوابق السفلية من المبنى الذي تقطن فيه، استجابة لتعليمات سبق للادارة الذاتية الكردية أن أبلغت المواطنين بها. وتوضح: "جهزنا الأقبية لنحمي أطفالنا وشبابنا، بالاضافة الى تخزين المواد الغذائية الأساسية خصوصاً الحليب والأدوية للاطفال والعجزة الذين لا يستطيعون التحمل". وأعلنت تركيا السبت شن هجوم تحت مسمى "غصن الزيتون" على مواقع وحدات حماية الشعب الكردية في منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية في شمال محافظة حلب. وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم إن مقاتلات تركية قصفت السبت مواقع للوحدات التي تعدها أنقرة "منظمة ارهابية". وذكر صحافي متعاون مع فرانس برس أن شوارع مدينة عفرين خلت تماما من المدنيين بعد القصف التركي الذي استهدف أحد أحيائها بعد ظهر السبت، فيما اقتصرت حركة المرور على سيارات وآليات عسكرية لمقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية. وفرضت الإدارة الذاتية الكردية حظر تجول ومنعت أي نوع من التجمعات المدنية، فيما أقفلت كافة المحال والمؤسسات التجارية والمدارس أبوابها. "ما ذنب الأبرياء؟"، تقول المدرسة الأربعينية رندة مصطفى من منزلها في مدينة عفرين، وتضيف: "لا أدري كيف أصف مشاعري في هذه اللحظات بعد مرور الطائرات التركية في سماء عفرين وقصفها للمدنيين في مناطق آمنة". وتضيف "الأطفال خائفون وشعبنا مسالم (..) ما ذنب هؤلاء الأبرياء؟" معتبرة أن تركيا تريد "زرع الفتنة بين مكونات الشعب السوري وتمارس الحرب النفسية علينا وتريد إفراغ منطقتنا من سكانها". وتسبب القصف التركي على منطقة عفرين السبت باصابة 25 مدنياً بجروح، وفق ما اعلن حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي على حسابه على موقع تويتر، في حين أكدت تركيا أن كافة الخسائر كانت في صفوف المقاتلين الأكراد. وأكدت الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي في مقاطعة عفرين هيفي مصطفى لفرانس برس أن القصف التركي استهدف "المدنيين في نقاط عدة من مدينة عفرين وبعض النواحي التابعة لها في المقاطعة". وتحدثت عن إجراءات متخذة لحماية المدنيين من حفر ملاجئ وانفاق لاستخدامها عند الظروف الطارئة" مشددة على أن "الخيارات المتاحة أمام الادارة الذاتية الكردية هي المقاومة فقط ولن نسمح بالاحتلال التركي للاراضي السورية". "غصن الزيتون"، وتبدي مصطفى خشيتها على غرار العديد من القيادات الكردية من أن تستمر "القوى الدولية الموجودة على أرض سوريا، والتي تدعي انها أتت لمحاربة الإرهاب وحل الأزمة السورية، في غض نظرها عن الاحتلال التركي". وتأتي تصريحات مصطفى بعد ساعات من إعلان وزارة الدفاع الروسية "سحب" جنودها الذين كانوا منتشرين في منطقة عفرين ل"ضمان أمنهم". وفي بيان أصدرته السبت، نددت القيادة العامة لوحدات حماية الشعب الكردية ب"حرب عدوانية ضد شعبنا" بعدما "شارفت الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي على النهاية". وأكدت "أنه لا خيار لنا سوى المقاومة وكما بدأنا وانتصرنا بهذه المقاومة، فإننا بها مستمرون، مجتمعا وقوات عسكرية". وتعد منطقة عفرين المعروفة بكروم زيتونها وبجودة انتاجها من الزيت والصابون، بمثابة أول منطقة اختبر فيها الأكراد الحكم الذاتي بعد اندلاع النزاع ثم انسحاب قوات النظام منها في العام 2012. ويثير اختيار تركيا تسمية "غصن الزيتون" لهجومها امتعاض عدد من أهالي عفرين. ويقول جميل (22 سنة) مهندس المعلوماتية "الهدف من تسمية اردوغان للعملية بغصن الزيتون هو كون عفرين بالذات مدينة الزيتون والسلام". وأضاف "لكنه أثبت لنا من خلال هذه التسمية انه لا يريد السلام ولا الامان".