عرضنا فى مقال الأسبوع الماضى لبعض ملاحظات نقدية لأداء الحكومة فى تعاطيها لاستحقاقات المرحلة ما بعد إنجاز الشعب وقواته المسلحة فى 30 يونيو والذى أسفر عن سقوط نظام حكم الإخوان وعزل د. محمد مرسى، وكان التركيز على الاستحقاق الأمنى فى مواجهة إرهاب «الجماعة» وأتباعها من ميليشيات التيار المتأسلم، واليوم نتناول ضرورة أن تصارح الحكومة الشعب بالموقف الدولى وما يعتمل فيه من تربص بالثورة المصرية وعدوانية معلنة من جانب عدد من البلاد المنحازة للدفاع عن إرهاب الإخوان، كذلك من المفيد أن توضح الحكومة للشعب رؤيتها للمشهد السياسى الوطنى فى الفترة التأسيسية. واضح أن مصر تجتاز الآن موقفاً عصيباً تواجه فيه قوى محلية وإقليمية ودولية اتفقت مصالحها وحشدت مواردها وإمكانياتها السياسية والمالية وقدراتها اللوجستية لهدف ضرب ثورة مصر فى 30 يونيو. فعلى الصعيد المحلى تستمر هجمات الجماعات الإرهابية فى سيناء وكل مصر بتخطيط وتمويل وتنفيذ قوى الشر الإخوانية وحلفائهم من جماعات الإرهاب المتسترة وراء «الإسلام السياسى» بدعم من التنظيم الدولى للإخوان المسلمين فى محاولة إعادة حكم وسيطرة الجماعة الإرهابية التى حملت سابقاً اسم «جماعة الإخوان المسلمين». وعلى الصعيد الإقليمى نرى قطر وتركيا تقودان حملة كراهية لمصر وشعبها وانحياز واضح للجماعة الإرهابية ورفض للاعتراف بثورة الشعب وعزل الرئيس الإخوانى الفاشل وإسقاط حكم الإخوان. أما حركة حماس فهى شريك فاعل فى الحرب الإرهابية على مصر، ومصدر لتوريد العناصر الإرهابية والأسلحة لدعم الجماعات التكفيرية فى سيناء. كما نرى موقف السودان غير المؤيد للثورة المصرية والمتقارب مع الجماعة الإرهابية. كما نلحظ غياباً مستغرباً لسلطنة عمان التى تربطها بمصر علاقات وثيقة والتى اقتصر رد الفعل الرسمى من جانبها على مجرد إصدار بيان مقتضب جاء فيه «السلطنة ترحب بما انتهت إليه إرادة الشعب المصرى الشقيق من تطلعات مشروعة فى بناء مجتمع متسامح ومتصالح وبنّاء ومتطور»، بما أطلق عليه البعض «إن السلطنة تتبع أسلوب الدبلوماسية الهادئة»! وعلى الصعيد الدولى تتزعم الولاياتالمتحدةالأمريكية قيادة الحملة الدولية التى تضم «الاتحاد الأوروبى» وبعض دول أمريكا اللاتينية لمناهضة الثورة الشعبية فى مصر ومناصرة الجماعة الإرهابية وتنظيمها الدولى. ولا تقتصر مشكلات مصر الحالية على توابع عزل الرئيس الإخوانى المتهم بالتخابر مع أطراف أجنبية ضد الدولة المصرية لضرب أهدافها الوطنية والتحريض على قتل المتظاهرين السلميين فى أحداث عنف وقعت خلال سنة حكمه الوحيدة، بل إن تأزم العلاقات لا يزال مستمراً مع الاتحاد الأفريقى الذى سارع فى الأيام الأولى لثورة 30 يونيو بإعلان وقف أنشطة مصر مع وجود مؤشرات جديدة على قرب تحول موقف الاتحاد فى صالح مصر. كما يستمر عدم وضوح مسار العلاقات مع إيران وسوريا وتونس وما شابها من اضطراب نتيجة ممارسات الرئيس المعزول! وفى المقابل تشهد ساحة العلاقات المصرية العربية ازدهاراً للعلاقات الحميمة مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت والأردن والبحرين وعديد من الدول العربية المساندة لحق الشعب المصرى فى تحديد مساره الوطنى والتى سارعت بتقديم المساندة الاقتصادية وألقت بثقلها السياسى والاقتصادى لدعم مصر فى مواجهة الهجمة الأمريكية الأوروبية. كل تلك الحقائق تؤكد مسئولية الحكومة فى تطوير استراتيجية مصر فى السياسة الخارجية على أسس غير تقليدية وتبادر إلى أمور أربعة محورية فى بناء علاقات مصر مع العالم الخارجى: أولاً؛ توثيق العلاقات مع الدول الصديقة والمساندة لمصر على كافة الأصعدة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وثقافياً ومجتمعياً وتطويرها باستمرار لما فيه تحقيق المصالح المشتركة والمتبادلة، واتخاذ خطوات جريئة وغير تقليدية لتطوير العلاقات المصرية مع تلك الدول الداعمة للثورة الشعبية فى مصر بما يتناسب مع أهداف تعظيم المصلحة الوطنية العليا. ثانياً؛ السعى حثيثاً لاستعادة العلاقات الطبيعية بقدر المستطاع مع الدول المعادية وغير الصديقة ومحاولة حفزها للعودة إلى إدراك أهمية تصحيح علاقاتها بمصر بالمصارحة والمكاشفة وباستخدام كافة الطرق الدبلوماسية الرسمية والشعبية. ثالثاً؛ تحييد العلاقات مع الدول الرافضة للتعاون مع مصر والمستمرة فى مواقفها العدائية وغير المتوافقة مع المصالح العليا للوطن، مع محاولة عدم دفع تلك الدول إلى إعلان العداء السافر والتهديد الفعلى للأمن المصرى. رابعاً؛ تجميد العلاقات والوصول بها إلى حد القطع الفعلى لعلاقات مصر السياسية والاقتصادية والعسكرية مع الدول المعادية والتى تهدد مصر بالأقوال أو الأفعال أو مختلف صور التهديد الاقتصادى أو السياسى أو العسكرى أو الثقافى والفكرى. من ناحية أخرى، يتكامل مطلب تسريع التحول الديمقراطى بعد 30 يونيو مع الحاجة إلى مواجهة الضغوط الدولية المنادية بالعودة إلى نظام حكم ديمقراطى فى ضوء مسئولية الحكومة عن التأسيس لاستعادة الديمقراطية بعد انتهاكها بمعرفة المعزول وجماعته. وأخذاً فى الاعتبار الهجمة الشرسة من جانب الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى بادعاء أن ما حدث فى مصر هو انقلاب عسكرى، لا بد من الالتزام بتنفيذ خارطة المستقبل وضمان الإعلام الكافى محلياً ودولياً حتى نؤكد لأنفسنا أولاً وللعالم المتربص بنا ثانياً أننا سائرون على نهج ديمقراطى غايته إنجاز دستور يؤسس لدولة ديمقراطية حديثة يتوافق عليه المصريون، وأن سبيلنا يمضى إلى تطوير قوانين عادلة لضمان انتخابات تشريعية فى موعدها وفق خارطة المستقبل، والوصول إلى انتخابات رئاسية تستكمل الإطار الديمقراطى للحكم فى مصر مع تفعيل قانون للعدالة الانتقالية. والنصر لمصر.