العيب كل العيب فى أن يغير الإنسان مبدأه لمجرد اختلافه مع شخص أو جماعة جمعهم هذا المبدأ ولو للحظة واحدة، هى قاعدة أخلاقية أرسى قواعدها الإسلام بحديث رائع للنبى صلى الله عليه وسلم قال فيه: «لا يكن أحدكم إمعة يقول إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم». إن من الإسلام والمروءة أن يجعل الإنسان لمبادئه وطنا تعيش فيه وتستقر عليه، ووطن النفس هى المبادئ، ومعنى أن تكون وطنا أى ثابتة لا تتغير بتغير الظروف والأحوال ولا تغير النفس محل إقامتها بحثا عن الشجاعة، والعظماء قد يجودون بأرواحهم وينتقلون من دار الدنيا إلى دار الآخرة ثمنا للثبات على مبدأهم، والمبادئ عند الكرام لا تتجزأ ولا تباع ولا تشترى. ولما كانت السياسة لا تعرف الثبات على المواقف وتعنى فن الممكن ويعتمد البعض ممن يشتغلون بها على مبدأ «اللى تغلب به العب به» والغاية عند بعضهم تبرر الوسيلة، فقد حرم بعض العلماء خلط الدين بالسياسة على اعتبار أن الدين مقدس وثابت والمواقف السياسية متغيرة ولا تعرف الثبات وتتلون فى الغالب وفقا للمصالح والمكاسب. وقد يثبت الإنسان على موقفه حتى إن وصفه البعض بالشطط والغلو أو التطرف والخطأ لمجرد إيمانه بما يعتقده، والخطأ حينئذ ليس فى الثبات فى حد ذاته إنما الخطأ فى عدم دراسة وتأمل الموقف أو المبدأ الذى سأثبت عليه وسأعتبره مبدأ تستقر عليه نفسى. والحقيقة أننا نحترم الثابتين على مواقفهم حتى إن كان خطأ من وجهة نظرنا وإن اختلفنا معهم أشد الاختلاف طالما أن مواقفهم معلنة وثابتة وأنهم مستعدون لتحمل مسئولية مواقفهم بشجاعة وجسارة، إنما لا نحترم من لا يجعلون لمبادئهم وطنا يستقرون فيه ولا يوثقون لمواقفهم محل إقامة ثابتة نصل إليه من خلالها.. العيب كل العيب أن ينقلب الإنسان على نفسه وعلى مبادئه وعلى رفقائه لمجرد البحث عن المصالح الشخصية أو المكاسب والأهواء الدنيوية، الأمر الذى لا يفسر إلا أن من فعل ذلك واحد من اثنين؛ إما أن يكون حبه لنفسه أكبر وأغلى من مبادئه وإما أن يكون عاريا عن المبادئ من الأساس وكان ينافق الناس ويضحك عليهم وفشل فى أن يستمر فى تمثيله فظهرت حقيقته مع أول اختبار. وطبعا ما أقصده بعيد كل البعد عن مبادئ الدين والعقيدة لأن الإنسان مطالب شرعا بأن يعود فى فتواه أو يرجع عن رأيه إذا اكتشف خطأه وعرف الصواب بل إنها الشجاعة والبطولة والورع وقتئذ، فالرجوع إلى الحق فضيلة، وما أكثر من فعل ذلك من الفقهاء والعلماء. ولكنى بالطبع أقصد المبادئ الوطنية المعروفة للجميع خصوصا فى وقت الأزمات التى يمر بها الوطن. يا أحبابى، لا نريد تلونا ولا نريد من يفضل مصلحته على مصلحة الوطن ولا نريد أن تستمر هذه الحالة من التخوين والصدام ولا نريد أن نتعامل مع أشخاص يرتدون مئات الأقنعة، وإنما نريد الصراحة والوضوح والشفافية، وسأحترمك وإن اختلفت معى بشدة طالما أنت بوجه واحد، ولن أحترمك وإن اتفقت معى بشدة طالما أنت بألف وجه. ورمضان كريم!