كتبت وتحدثت كثيرا عن «نظرية المؤامرة» التى دمرت العقل العربى والإسلامى طويلا.. فالمؤامرة موجودة وخاصة فى مجالات السياسة والعلاقات الدولية.. ولكنها لا تحرك الكون ولا تصنع الأحداث ولا تأتى بالنصر لفريق ولا تصيب بالهزيمة آخر.. فمن أخذ بأسباب النصر انتصر حتى لو لم يكن مسلما، ومن أخذ بأسباب الهزيمة انهزم حتى لو كان مؤمنا صالحا. فلله فى خلقه وكونه سنن لا تتبدل ولا تتغير ولا تجامل مؤمنا لإيمانه ولا تتأخر عن العمل بالنسبة لغير المسلمين.. وكما قال ابن تيمية «إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة». وكما قال عمرو بن العاص وهو يصف الروم: «وأمنعهم من ظلم الملوك»، وهذا ما نراه اليوم فى البلاد الأوروبية والأمريكية حيث إن حكامهم لا يظلمون شعوبهم، حتى وإن ظلموا غيرهم. وكنت آمل أن يودع العقل العربى والإسلامى نظرية المؤامرة إلى غير رجعة ويعمل بدلا منها بفقه السنن الكونية وفقه المراجعات وفقه سنن النفس البشرية وسنن التدافع وفقه المصالح والمفاسد وفقه المآلات والنتائج.. ولكنى كنت واهما حينما تصورت أن الأجيال الجديدة من الشباب المصرى والعربى ستترك هذه النظرية. فقد ذهلت حينما وجدت الكثير ممن تناقشت معهم يعزو مذبحة جنود الأمن المركزى الذين قتلوا غيلة وغدرا فى سيناء إلى تدبير الجهات الأمنية المصرية، وأنها فعلت ذلك لتغطى على مذبحة أبى زعبل التى قتل فيها 36 من السجناء الإسلاميين ظلما وعدوانا.. وكأن مذبحة هؤلاء الجنود هى أول مذبحة تحدث من جماعات التكفير بسيناء.. بل إن بعضها تم فى عهد د.مرسى مثل مذبحة رفح التى قتل فيها التكفيريون 16 جنديا من الجيش، ومثل خطفهم ل7 جنود من الأمن المركزى، فضلا عن أكثر من سبعين عملية قام بها التكفيريون فى سيناء منذ ثورة 25 يناير. إننا نعيش اليوم حالة سيئة من الإنكار المتبادل؛ فالحكومة تنفى مسئوليتها عن مذبحتى رابعة وأبى زعبل، والإسلاميون ينفون مسئوليتهم عن مذابح الجنود فى سيناء وعن مذبحة كرداسة وحرق الكنائس ومحافظتى الجيزة والبحيرة.. وكأن العفاريت نزلت من السماء فقامت بذلك كله. إن نظرية المؤامرة التى تنفى المسئولية تماما عن الجميع لتضعها دوما على عاتق أجهزة المخابرات المحلية والعالمية تريح العقل الإسلامى من عناء التفكير المنطقى فى الأمور وتحد من قدرته على حل المشكلات وتحول بينه وبين التفكير المنطقى فى المشكلة والتحليل السليم لأسبابها كمقدمة للوصول إلى المخرج السليم والحل الصحيح لها. إن المعنى الحقيقى لنظرية المؤامرة هو إلغاء إراداتنا.. بل وكل الإرادات سوى إرادة أجهزة الاستخبارات المحلية والدولية. فلماذا نصحح فكر التكفير أو نرفع الغطاء الشرعى والسياسى عن تكفيريى سيناء ما دامت الأجهزة الأمنية هى التى تذبح الجنود وهى التى تصطنع الأزمة تلو الأزمة والتفجير تلو التفجير. مع أن المتأمل للقرآن يجده قد ذكر سنتين للتغيير وهما: 1- سنة التغيير السلبى: وذلك فى قوله تعالى «ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ». 2- سنة التغيير الإيجابى: وذلك فى قوله تعالى «إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ». ويؤسفنى أن أقول فى الختام إن أول من اخترع نظرية المؤامرة هو فرعون الذى قال لسحرته حينما آمنوا بسيدنا موسى «إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِى الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ». فأرجع إيمانهم بالآيات إلى مؤامرة صنعها نبى الله موسى معهم، مع أن هذا مخالف للحقيقة.. لقد أراح نفسه بهذه النظرية من التفكير بحق فى رسالة سيدنا موسى والإيمان به. ألم أقل لكم إن نظرية المؤامرة تريح العقول مؤقتا لنقع بعدها فى كارثة تلو الأخرى؟