من المهم ونحن نستقبل الشهر الكريم الاستفادة من مواسم الخير والتعرض لنفحات الله فى الدهر لتحقيق هذه الغايات السامية، فقد أخرج الطبرانى فى «المعجم الكبير» عن محمد بن مسلمة الأنصارى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لربكم فى أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعله أن يصيبكم نفحة منها، فلا تشقون بعدها أبداً»، فهيا نتعرض لبعض تلك النفحات. وإذ نتعرض فى هذا الشهر المبارك لرب العزة جل وعلا؛ أملاً فى أن تصيبنا نفحة من نفحاته، فإننى أنتهز هذه الفرصة الطيبة لأذكر بوجوب العزم على دوام إعمار المساجد، واعتبار هذا الموسم الكريم بداية جديدة لحياة القلوب، بالمحافظة على صلوات الجماعة فى المسجد، فذلك علامة الإيمان بالله واليوم الآخر، وصلاة الجماعة صورة من صور العمارة التى نوه بفضلها الله تعالى فى قوله: «إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين» (التوبة: 18). فليس المراد من عمارتها زخرفتها وإقامة صورتها فقط، إنما عمارتها الحقيقية بذكر الله فيها وإقامة شرعه فيها، ونشر العلم الذى أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم فيها، وقد أخرج أحمد وابن ماجه والترمذى - وقال: غريب حسن- وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الرجل يتعاهد (وفى رواية: يعتاد) المسجد فاشهدوا له بالإيمان، فإن الله تعالى يقول (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة)» الآية. وفى لفظ عند الحاكم فى «المستدرك» وصححه ووافقه الذهبى: «إذا رأيتم الرجل يلزم المسجد، فلا تحرجوا أن تشهدوا أنه مؤمن». وقد قال بعض السلف: إذا رأيتم الرجل يعمر المسجد فحسنوا به الظن. وقال الحكيم الترمذى: ليس عمارها كل من أنفق على مسجد فبناه، أو من رمه (يعنى رممه وأصلحه)، بل من عمرها بذكره، إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله، أما من عمرها وهو منكب على دنياه معرض عن خدمة مولاه فلا يستحق هذا الإكرام وإن عمر ألف مسجد. قال القاضى: عامر كل شىء حافظه ومدبره وممسكه عن الخلل والانحلال، ومنه سمى الساكن والمقيم فى البلد عامراً، يقال: «عمرت المكان إذا أقمت فيه، وسمى زوار البيت عماراً». فهلمّ نعمر المساجد العمارة الحقيقية ولنتخذ من رمضان منطلقاً للتعود على عمارته بالذكر وتلاوة القرآن وصلاة الجماعة.