من سنتين تقريبا كنت فى لقاء مع أحد كبار قيادات التيار الإسلامى وسألنى: هو انتوا يا على «يقصد الليبراليين» إيه مشكلتكم مع الشريعة الإسلامية؟ قلت له مفيش مشكلة إطلاقا. حضرتك جبت الانطباع ده عن الليبراليين منين؟ «أُمّال ليه الليبراليين رافضين نكتب كلام مفصل عن الشريعة الإسلامية فى الدستور؟» شرحت له تخوف أن كلا من الإخوان وحزب النور هيحاولوا يفرضوا على المصريين قوانين تجبر الستات على الحجاب، وتمنع الفن والأدب، وتضيق علينا الحياة. قال لى «الكلام ده ولا فى بال الإسلاميين أصلا. احنا بنتشدد علشان متتلغيش مادة الشريعة فى الدستور وتختفى هوية مصر الإسلامية». فى هذه اللحظة تدخل أحد معاونيه وقال له: «ده ساعتها يا مولانا ممكن الراجل يتجوز راجل والست تتجوز ست والعياذ بالله». بعد الكلمتين دول استغفر هذا الرجل، ذو الهيبة، بصوت عال ثم غير سياق الأحداث فى حرج، وكأن مشكلة المثليين كانت محور النقاش. دار هذا الكلام منذ سنتين. وسواء كان كلام الإسلامى الكبير صدقا أم كذبا فالآن يتكرر هذا الحديث كنسخة بالكربون، بمناسبة التعديلات الدستورية. حتى لحظة كتابة هذه السطور لم يحدث فى مصر، منذ ثورة 25 يناير، حوار حقيقى وصريح بين التيارات السياسية على المستقبل. ما شكل الدولة التى يتمناها الإسلاميون. ما مقدار الحريات التى يطلبها الليبراليون؟ مفيش حد بيتكلم بصراحة والكل بيناور. سنتين ولسه عايشين فى هذا الجدال البيزنطى العقيم. فى جو من اللف والدوران والمناورة المكشوفة. كثير من الكذب. قليل من الوضوح. كلا الطرفين يناور لأنه يعتقد أن رؤيته لن يقبلها الشعب المصرى على الإطلاق. السبب أنها رؤية دخيلة عليه.رؤية مصطنعة. مفبركة. لا تعبر عن حقيقة المصريين. الأطراف السياسية فى مصر همها الأول هو الأيديولوجية والصراع الفكرى على الهوية. راقب بيانات حزب النور عن أهمية مواد الشريعة الإسلامية. والأحزاب المدنية تهاجم وتؤكد على الهوية الليبرالية. نفس الكلام اللى حصل من سنتين. الكل يتحدث عن الشريعة، ولا أحد يتحدث عن الطموح الحقيقى لغالبية الشعب: الحياة الكريمة واللقمة النظيفة. هناك قضايا أهم مائة مرة من الصراع حول تفسير مواد الشريعة الإسلامية، وهى قضايا تهم المواطن وتمس حياته. قضايا مثل الصحة والتعليم وتمكين المرأة ومكافحة الفساد المستشرى، كل هذه المواضيع المصيرية لا تأخذ نصيبها من النقاش حول الدستور المرتقب. يذكرها السياسيون سريعا مكتفين بالبديهيات. لماذا؟ لأنهم منشغلون بالاقتتال على الهوية المزعومة ولا يفكرون بعمق فيما سواها. نحن مصممون على رؤية متميزة وحلول حقيقية من السياسيين لكل هذه القضايا المصيرية فى الدستور المعدل. ده شغلكم. واجبكم. مش شغلكم تغيير هوية الشعب. عزيزى السياسى: المصرى حدد هويته منذ قرون وهو يتطلع إليك لحل مشاكله الحياتية. افعلها فيجعل منك بطلا. أو خيّب ظنه ويستبدلك كما استبدل غيرك.