ما إن تطأ قدماك شركة مصر للغزل والنسيج حتى تشعر بعراقة هذا الصرح الاقتصادى العظيم، فلا بيت فى المحلة الكبرى يخلو من عامل أو موظف فى الشركة، ولا بيت فى مصر كلها يخلو من منتجات تلك الشركة، هنا ما يقرب من 25 ألف عامل، هنا عاصمة صناعة الغزل والنسيج فى مصر، وفى يومهم الرابع وقف آلاف العمال هنا ينادون بأعلى صوتهم «عمالية عمالية.. مطالبنا مش سياسية»، يرفضون أن يتدخل أى فصيل سياسى أو عضو مجلس شعب حلته الدستورية فى حل أزمتهم، فآخر ما يريدونه من هذا الإضراب أن يتسلق أحد هؤلاء على أكتافهم التى طالما انحنت أمام ماكينات الشركة، تنظر فى أعينهم فترى شقاء سنوات تعبوا من عدها، المكان هنا منزلهم الذى يدافعون عنه، ومن منا يستطيع أن يخرب بيته بيديه ولكننا نسعى لإعادة ترتيبه من جديد، هكذا قالوا وهم يجلسون فى خيام نصبوها خصيصا لتحميهم من أشعة الشمس الحارقة طوال فترة اعتصامهم، العاملات أتين بأطفالهن يشاركونهم الاعتصام، إحداهن قالت «نحن ندافع عن حقوقنا من أجل صغارنا وها هم معنا ليطالبوا بحقوقهم بأنفسهم». عاملتان بدا عليهما أنهما فى نهاية عقدهما الخامس جلستا أمام باب الشركة لتقوما بواجبهما فى تأمين الداخلين والخارجين من مقر الشركة، سامية عبدالسلام قضت فى تلك الشركة ما يزيد على 27 عاما، تحفظ الوجوه كاسمها، لا تخطئ فى أحدهم، فهى اعتادت تفتيش العاملات كل يوم، أما اليوم فالمهمة مختلفة، والتأمين واجب عليها تجاه زملائها المعتصمين بالداخل درجات الحرارة العالية ومرارة الانتظار دفعت أطفال العاملين إلى الاحتماء من الشمس تحت مظلات أحضرها أسرهم، لا تعلم «منى» التى لا يتعدى عمرها السادسة لماذ أتت إلى هنا، أو لماذا أيقظتها والدتها فى الصباح الباكر لتأتى معها، أما محمد هذا الطفل الذى غطى الحر وجهه وأغرق ملابسه فلا يترك تلك الزجاجة المثلجة من يديه وفى إحدى المرات نطق الطفل «هو مفيش تلجة مش بتسيح يا بابا» فاحتضنه والده وضحك الجميع من حوله وعادوا يهتفون «قاعدين ومش ماشيين». «عرقسوس وتمر هندى» هكذا تحاول العاملات أن يساعدن زملاءهن فى محاربة درجات الحرارة العالية، فكل واحدة أتت فى الصباح الباكر ومعها زجاجات مملوءة بتلك العصائر لعلها تبرد عليهم تلك الشمس الحارقة، يفترش العمال الأرض يتذكرون عدد المرات التى جلسوا فيها على نفس الأرض للمطالبة بنفس المطالب، إحدى العاملات قالت «كل الناس بيجيلها حقها لحد عندها إحنا بس اللى لازم نتعذب كده فى كل مرة». «رمضان على الأبواب والمطالب لم تتحقق بعد والاعتصام ما زال قائما لذا سنستعد له هنا فى شركتنا فهى بيتنا لا شك فى ذلك» هكذا قالت عائشة محمد التى تعمل فى الشركة منذ 26 عاما «هما فاكرين إننا هنزهق ونمشى لا ينسوا خالص إحنا هنصوم هنا ونفطر هنا ونعيد هنا كمان»، ثم أشارت إلى طفلتها قائلة «ما تقلقيش هنجيبلك الفانوس تلعبى بيه هنا». خلية نحل يعلم كل من فيها دوره جيدا، وإذا كان العمل فى الشركة قد توقف، فالورديات أصبحت لها مهمة أخرى، فهناك واحدة للمناضلين فى النهار وأخرى للساهرين على أمن الاعتصام، وما بين أولئك وهؤلاء يظل المسجد قبلة الجميع لنيل قسط من الراحة، وللدعاء بأن يفك الله كرب العمال، ويقف معهم فى محنتهم. أخبار متعلقة: عمال «المحلة» يطالبون «مرسى» بالقدوم إلى المحلة.. ويحددون 11 مطلباً لفض الإضراب الإنذار الأخير من عمال غزل المحلة للرئيس والحكومة: «بركان الغضب لن يُبقى ولن يذر» أحزاب وقوى اليسار على خط الأزمة.. وتهاجم «الإخوان»