أمتار قليلة تفصلها عن إحدى البوابات الخلفية لشركة غزل المحلة، قلعة صناعة الغزل والنسيج فى مصر. يجلس العمال عليها وأمامهم منفذ بيع منتجات غزل المحلة، يطوف حولهم «الصبى» ذهابا وإيابا يحمل صينية «المشاريب» ويرص «الحجرين»، ليتجاذب العمال أطراف الحديث. إنها قهوة «الكرنك»، ملجأ العمال فى استراحات الاعتصام المتواصل. القهوة تمتد أطرافها إلى الأرصفة المجاورة، وتتراص الطاولات ومن حولها الكراسى لتشكل ما يشبه خلايا النحل الصغيرة، التى تصب فى مجملها فى قلب اعتصام غزل المحلة داخل مقر الشركة، لتعلن بدء جولة جديدة من الحرب ضد الفساد وتطالب بحياة كريمة وحقوق مشروعة للعمال.
فى ثانى أيام الشهر الكريم، وبعد الإفطار وصلاة المغرب جماعة، التف عدد من عمال الشركة حول إحدى طاولات قهوة الكرنك، حكوا ل«الشروق» كيف بدأ هذا الإضراب عن العمل بشكل عفوى وتلقائى، بحسب الموظف بقطاع الكهرباء فى الشركة، محمد عبدالفتاح، الذى قال «الإضراب المرة دى من غير قائد.. زى الثورة ما قامت كده بالظبط من غير مقدمات»، هكذا وجد ما يقرب من 22 ألف عامل فى شركة غزل المحلة أنفسهم أمام اختيار وحيد بالاعتصام والإضراب عن العمل، بعدما اكتشفوا أن المرتبات خالية من حافز رمضان «45 يوما»، وبدون علاوة ال15%.
عمال غزل المحلة يتقاضون رواتبهم على دفعتين شهريا، الأولى تبدأ أيام 2 و3 و4 و5 من كل شهر، والثانية تبدأ أيام 17 و18 و19 و20 من بعد منتصف الشهر، على عكس موظفى الشركة الذين يتقاضون رواتبهم دفعة واحدة يوم 27 من كل شهر.
يتابع عبدالفتاح «فى إضراب إبريل 2011، قدرنا نشيل فؤاد عبدالعليم، مدير الشركة فى ذلك الوقت، بس ما جاش فى بالنا إن المجلس العسكرى هيعينه رئيس للشركة القابضة للغزل والنسيج». عمال غزل المحلة يعتبرون عبدالعليم السبب الرئيسى وراء انهيار صناعة الشركة وكسادها، خلال الفترة التى قضاها مديرا منذ 2007 وحتى 2011، وتزامن مع هذه الفترة وجود محسن الجيلانى، رئيسا للشركة القابضة للغزل والنسيج.
يلتقط عبدالمجيد قشطة، الموظف بالكهرباء أيضا، طرف الحديث من عبدالفتاح ليضيف «إحنا مش هينضحك علينا تانى، الإضراب إلى فات ضحكوا علينا وشالوا عبدالعليم من إدارة الشركة، وبدل ما يحاكموه، كافئوه وعينوه رئيسا للشركة القابضة، والنهارده بينتقم من العمال، علشان كده إحنا المرة دى مصرين على إقالته وفتح قضايا الفساد التى تسبب بها فى الشركة».
قشطة تابع «الفساد طال كل شىء، من أول مستعمرة العمال، وتسقيع الشقق والأراضى، وصولا لبيع المازوت المحروق فى خزانات المحطة ب70 مليون جنيه، فضلا عن بيع حوالى 30 فدانا من أملاك الشركة ثم تأجيرها لمدة 99 سنة». هذه الوقائع التى جاءت على لسان العمال اعتبروها السبب الرئيسى وراء «طرد» عبدالعليم من الشركة فى إبريل 2011، على حد تعبيرهم.
وينضم علاء إبراهيم، العامل فى الغزل، للحديث مدافعا عن العمال ضد اتهامهم ب«الفلول» أو «تعطيل عجلة الإنتاج»، أو حتى «محاولات إسقاط الرئيس مرسى»، قائلا «إحنا ناس مطالبنا مشروعة وبنحارب الفساد، والدليل على كده إن شركة غزل المحلة كانت شغالة طول فترة الثورة وماعملتش ولا اعتصام واحد من بعد إضراب أبريل 2011 بعد تنفيذ مطلبنا بإقالة عبدالعليم».
يمتد الحديث إلى أحلام العمال وطموحاتهم، وعن أوضاعهم المعيشية وحقوقهم المهدرة، وعن سنين العمر التى قضوها وسيقضونها داخل حصن الغزل والنسيج فى مصر.