أسوار تخفى خلفها مبانى أثرية على مساحة 650 فدانا، تحيط بها واحدة من قلاع صناعة الغزل والنسيج فى مصر، إنها شركة غزل المحلة، التى يغزل عمالها من سنوات نسيج واقع عمالى صلب، بدأ بالمطالبة بحقوقهم، ولم ينته بإشعال إرهاصات الثورة الأولى، ولا بإسقاط النظام، لأن الثورة نجحت، لكن الحقوق لم تأت بعد، لكن المطالبة بها مستمرة. وفى المحلة «الكبيرة» كما يطلق عليها أهلها، تدور أحداث تاريخ نضال عمالى كان الأشهر من بين الاعتصامات والإضرابات العمالية، لا يهدأ حتى يشتعل مرة أخرى باحثا عن مطلب يضيف لذلك التاريخ بعدا زمانيا ومكانيا.
فى ساحات «غزل المحلة» متسع للجميع:
مراجيح، يلعب بها أطفال العمال، وعربية عصائر وتمر هندى يلتفون حولها بعد المغرب، وفناء واسع مفروش على أرضه بعض الحصر يصلى عليها العمال، وعشرات الأرصفة التى يجلسون عليها فى ليالى السمر.
فى حدائق الشركة الداخلية، التفت كل عائلة أو أكثر حول «فرشة» طعام متواضعة قبل دقائق من آذان المغرب، وبعد الإفطار تبدأ حلقات الحديث تدور بين العمال.
وفى ساحات الشركة، اصطفت عشرات الدراجات والموتوسيكلات التى جاء بها العمال إلى مقر شركتهم للمشاركة فى الإضراب، العدد يزيد بعد آذان العشاء، فمنهم من جاء ليصلى التراويح جماعة مع زملائه فى الشركة، ومنهم من جاء ليشارك بشكل رمزى فى الاعتصام.
إرهاصات الإضراب الأخير:
حاولت «الشروق» أن ترصد ملامح خارطة الإضراب الأخير، وكان لها جولة داخل الشركة فى ثانى أيام الشهر الكريم، مع المرشح الرئاسى السابق، والمحامى الحقوقى خالد على، استمرت قبل ساعات قليلة من آذان المغرب وحتى حوالى العاشرة مساء.
بدأ الإضراب الأخير عن العمل فى شركة غزل المحلة يوم 16 من يوليو الجارى، بعدما علم العمال أن رواتبهم غير مضاف لها مكافأة رمضان «45 يوما»، وحافز ال15%، رافعين مطالب «إقالة رئيس الشركة القابضة للغزل والنسيج، فؤاد عبدالعليم، وصرف نسب أرباح العمال 12 شهرا أسوة بالعاملين فى الشركة القابضة، وصرف حوافز العمال بأثر رجعى منذ عام 92، وتطهير الشركة من القيادات الفاسدة».
ولكن وعلى الرغم من أن الإضراب بدأ بمشاركة جميع العاملين فى الشركة، الذين يقدرون بحوالى 22 ألف عامل، إلا أن خارطة الإضراب اتخذت منحى آخر، نتيجة عدة عوامل، منها دخول شهر رمضان أثناء الإضراب، ومنها اكتفاء بعض العمال بتلبية بعض المطالب المادية، فى مقابل إصرار آخرين على تلبية مطالب تطهير الشركة من الفساد، فضلا عن اختلاف العمال على مواصلة الإضراب أو تعليقه حتى لا يكونوا طرفا فى صراع سياسى يتعلق باستقرار الأوضاع أو إشعالها.
ما بين الحلول وأنصاف الحلول يدور الجدل:
بعض العاملين فى الشركة والمشاركين فى الإضراب، يرون فى أنصاف الحلول مكسبا للإضراب الذى يستمر لأكثر من أسبوع تخلله شهر رمضان، هناء تقول عن فؤاد عبدالعليم «مشى ما مشيش إحنا مش عاوزين غير إن المصانع تشتغل وإحنا ناخد حقوقنا»، متابعة «ربنا محببنا فى شغلنا وتعبانة من قلة الشغل».
هناء لاتزال تستيقظ فى مواعيد العمل الرسمية، وقبل ساعة من الوردية الأولى للشركة فى تمام السابعة والنصف صباحا، تعمل منذ 30 عاما فى الشركة، وراتبها الأساسى 320 جنيها.
تقول هناء «خلال الإضراب أنا باجى كل يوم الصبح أبص على زمايلى وأقعد معاهم قد ما أقدر، وبعدين أروح البيت أعمل الغدا لعيالى وجوزى، وبعد المغرب آجى الشركة تانى أتضامن مع زمايلى».
نادية وافقتها الرأى قائلة «إحنا مش عاوزين غير حقوقنا ويصرفولنا ال12 شهر وناخد الحوافز وكل مستحقاتنا، إحنا فاتحين بيوت وورانا عيال ومصاريف».
وهناك من العاملين فى الشركة من عارضوا الاقتراح الذى جاء على لسان قلة من العمال بقطع شريط السكة الحديد فى محاولة للضغط من أجل تنفيذ مطالب العمال، وهو الاقتراح الذى لاقى رفضا واسعا بين صفوف العمال، الذين أكدوا «سلمية» تحركاتهم الاحتجاجية كما اعتادوا، قائلين «طول عمرنا لا أذينا حد ولا قطعنا طريق ولا عملنا شغب، اعتصامنا وإضرابنا داخل شركتنا وحقنا هيجيلنا فى مكاننا».
وبعض العمال ارتفع بسقف طلبه إلى الإصرار على إقالة فؤاد عبدالعليم، خاصة بعد المنشور الصادر أمس الأول من قطاع الأعمال بتلبية مطلب واحد من الحد الأدنى من مطالب العمال، وقال عز الدين منجى، أحد العمال «بأى عقل نطالب بإقالة فؤاد عبدالعليم من إدارة الشركة، فيمسكوه رئيس الشركة القابضة»، متابعا «إضرابنا مشروع وبنتحدى فؤاد عبدالعليم، ومطلبنا إقالته ومش هنتنازل عنه».
هناك البعض الآخر من العمال الذين يوافقون على «الحلول من الباطن»، حيث دار الحديث عن اجتماع محافظ الغربية مع رئيس مجلس الوزراء، وقال مجدى، أحد عمال الشركة، «الحكومة موافقة على مطالبنا بس خايفة تعلن الاستجابة لها علشان كل الشركات والمصانع هتطالبها بنفس حقوقنا، وبكدة هتفتح عليها باب مش هتعرف تقفله».
عامل آخر اعتبر أن «الحلول من الباطن» من خلال إدماج مطالب العمال فى اللائحة الداخلية للشركة، أمر مقبول يضمن من خلاله العمال الاستجابة لمطالبهم من جهة، «ولا تفتح على الحكومة باب المطالب من الجهة الثانية».