على بعد نحو عشرة كيلو مترات شرق مدينة العريش بشمال سيناء، حيث يعلو صوت الرصاص ويملأ الضجيج المكان، ومسلحون يهاجمون كمين الريسة الأمني لقوات الجيش والشرطة بشكل شبه يومي، ورصاص متطاير هنا وهناك، تسكن دينا فتحي عبد السيد محمد، الحاصلة على المركز الثاني "مكرر" ضمن نتائج العشرة الأوائل بالثانوية العامة. تسكن دينا في منزل بسيط، تفتح لك باب المنزل بابتسامة غامرة بالفرحة، وتستقبلك أسرة مكونة من أم منتقبة، وأخت جامعية، وأخ صغير، وما إن تجلس تجد الشربات والمشروبات بجانبك فرحاً بتفوق ابنتهم . بصوت مليئ بالسعادة والسرور، قالت دينا:"أنا سعيدة أووي لأنى قدرت أحقق حلم والدي الله يرحمه". كانت هذه أمنية والدها الذي توفى قبل امتحاناتها بأسابيع قليلة لتعيش فترة مليئة بالمعاناة والحزن والألم، وتضيف:"أنا كنت حزينة أوي. والدي توفى وأنا في أشد الاحتياج إليه. كان بيسهر معايا علشان أذاكر علشان يحسسني بالأمان في الوقت اللي مفيش فيه أمن في البلد وصوت الرصاص". وتابعت بصوت الحنين إلى الذكرى، "كان والدي بيوصلني للمدرس والدروس علشان يطمن عليا. لما توفى الله يرحمه تعبت نفسياً، ومكنتش عاوزة أذاكر، أمي كانت تقول لي لو بتحبيه تذاكري وتحققي أمنيته فيك، كنت باضغط على نفسي وأذاكر وجوايا ألم وأقنع نفسي إنه مسافر". بدأت دينا الامتحانات في مدرسة أسماء بنت أبي بكر الثانوية بنات بنات بالريسة، والتي تبعد مئات الأمتار عن منزلها، وتؤكد "في امتحان اللغة العربية كنت قلقانة أوي حزينة بس لقيت ربنا بيساعدني وبحل بتركيز أوي، والحمد لله قدرت أدخل الامتحانات، بالرغم إني كنت بقنع أمي أأجل الامتحانات للسنة اللي جايه". وعن يومياتها في المذاكرة، قالت دينا:"أنا كنت عايشة عادي أوي بنام كثير 8 ساعات وأحياناً 10 علشان أقدر آخد راحتي وأركز في المذاكرة، وكنت بذاكر عادي على قد المواضيع والدروس، ويمكن أكثر وقت ذاكرت فيه كان 9 ساعات، وبحب أذاكر بالليل، وكانت ماما بتذاكر لي وبابا الله يرحمه بيسهر معايا علشان يحسسني بالأمان". دينا كانت تقضي حياتها بشكل طبيعي، حيث قالت "أنا كنت بقضي وقت فراغى باللعب مع أخواتي عادي في البيت بالرسم وبعض الألعاب العادية، كمان كنت بتفرج على برامج السياسة، وكنت بتضايق أوي من التخوين والاختلاف والانقسامات اللي حاصلة في مصر ونفسي الكل يتحد، وبحب برامج الرياضة أوي وبشجع فريق الزمالك زي والدي". معاناة والدها مع مرض الكبد وفيرس سي أعطت دينا الطموح لدخول كلية الطب والتخصص في قسم الكبد، مؤكدة "أنا هدخل كلية طب وهتخصص بإذن لله في تخصص الكبد علشان أساعد كل الناس الغلابة واخترعلهم علاج للكبد اللي بيعاني منه كثير من المصريين بدون اهتمام أو وجود علاج". وقالت دينا إن سر تفوقها هو "الإيمان بالله والصلاة في أوقاتها وحفظ القرآن الكريم"، كما كانت تتعلم الدروس في المسجد، ومن ثم حفظت 21 جزءاً من القرآن الكريم بعد أن تأهلت إلى تعليم الأطفال والنساء في الحي التى تسكن فيه بالعريش. من جهتها، قالت أم دينا بصوت مليئ بالفرحة "باختصار شديد أنا مبسوطة إن ربنا عوضنا عن تعبنا على كل السنين اللي فاتت، وأتمنى أن بنتي تقدر تفيد كل الناس الغلابة ومصر".