سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
من داخل منزل قبطى فى المنيا : خايفين ننزل وقاعدين مرعوبين «نيفين»: ما بقيناش بنقدر ننزل فى أمان.. وتعبانة وخايفة حد يضربنى أو يموتنى أو يحرق بيتنا.. لكن اللى مطمنى إن فيه مسلمين ضد اضطهادنا
أن يجاور منزلك كنيستك التى تتبعها فإنها ميزة إلا فى المنيا، أنت هنا فى مهب الريح، فى بؤرة الأحداث، تحت تهديد مستمر، وفى مرمى زجاجات المولوتوف. بشىء من القلق فتحت «نيفين» باب منزلها المطل على شارع الجيش ببطء، تجاوزت الباب واستدارت لتغلقه خلفها، وانصرفت إلى السوق لتبتاع بعض الحاجات اللازمة لبيتها. الاحتياطات التى التزمت بها «نيفين» نتاج طبيعى لساعات من البكاء والصراخ اللذين أبدتهما عندما كانت كنيسة «الأمير تادرس» الأرثوذكسية تتعرض للحريق، وقتها اقتحم مجهولون من أنصار الإخوان المسلمين منزلها لاستخدامها كمنصة لقذف الكنيسة بمزيد من قنابل المولوتوف. رغم أن لقاءنا بالسيدة نيفين عزت، ذات الأربعين سنة، لم يتجاوز 10 دقائق، فإنها رددت كلمات «خوف» و«قلق» و«رعب» ما يزيد على 30 مرة، «قاعدين فى خوف، وقاعدين فى رعب، ومش قادرين نطلع نشترى حاجة»، هكذا تفتتح السيدة الأربعينية حديثها عما عايشته من عملية استهداف كنيسة الأمير تادرس الأرثوذكسية بمركز المنيا. تروى «نيفين» ما حدث يوم الأربعاء 14 أغسطس، يوم استهداف الكنيسة، بقولها: «الضهر لقينا مجموعة كبيرة من الناس كانوا بيضربوا نار على مدرسة الأقباط اللى موجودة قدامنا، وبعد ما خلصوا عليها ضرب ابتدوا يضربوا علينا إحنا كمان وعلى شبابيك بيتنا وعلى الكنيسة». الجلبة والضوضاء لفتا انتباه «نيفين» التى كانت برفقة والدتها ووالدها وأخيها داخل شقتهم بالدور الأرضى، حاولت النظر إلى أولئك الذين يحاولون اقتحام المدرسة والكنيسة عبر فتحات الشباك الضيقة: «دخلنا واستخبينا لما لقيناهم اقتحموا البيت، وفضلنا نصوت ونعيط، وهما طلعوا على الدور الأخير وفضلوا يضربوا الكنيسة من فوق بيتنا، وفيه منهم حاول يدخل عندنا، وفضلوا يخبطوا على باب شقتنا بقوة». «كنا عايشين فى رعب وقلق وخايفين، وبنصلى للأمير تادرس والقديسين كلهم، والأمير تادرس هو اللى حمانا فى اليوم ده هو والقديسين»، ذلك هو اعتقاد «نيفين» التى راحت تصلى وتدعو الأمير تادرس، أحد القديسين فى العقيدة المسيحية الأرثوذكسية، وتسمى الكنيسة المجاورة لمنزلها باسمه. بحسب «نيفين» فإنها قد تعلقت بالأمير تادرس منذ الصغر: «وحزنى إن كنيسته لما ولعت استخدموا بيتى أنا علشان يحدفوا عليها النار». حتى بعدما انتهت أحداث حرق الكنيسة يوم الأربعاء 14 أغسطس، فإن «الخوف والقلق» لم يفارقا «نيفين» ووالدتها: «خايفين إنهم ييجوا تانى ويحاولوا يدخلوا بيتنا تانى.. البلد مابقتش آمنة، ومش عارفين بكرة هيحصل إيه، بقينا عايشين خوف إنهم ييجوا تانى بالأسلحة اللى كانوا ماسكينها». الحريق الذى نشب فى مبنى الكنيسة امتد إلى غرفة بشقة الدور الثانى التى يسكنها إبراهيم يونان، ذو ال73 سنة، عم نيفين عزت، الذى يقول: «وقت الأحداث ما حصلت كنت فى الدور الثانى مع زوجتى، وأول ما دخلت النار عندى فى الغرفة الأخيرة وكان مصدرها قاعة خشبية فى الكنيسة احترقت فامتدت منها النيران وأكلت شباك غرفتى وكنت لوحدى أنا وهى بس، مع ذلك حاولنا نطفيها ولما طفينا الشباك نزلنا تحت». 4 ساعات عاشها إبراهيم يونان فى منزله خائفاً من تصاعد ألسنة اللهب من الكنيسة. الخوف امتد إلى القاهرة والإسكندرية حيث يسكن أولاده وأحفاده: «كانوا بيتصلوا بينا باستمرار يطمنوا علينا ويتأكدوا إننا بخير»، وزاد خوفهم لما عرفوا أن كنيسة الأمير تادرس المجاورة لمنزله هى واحدة من الكنائس التى أحرقها أنصار الإخوان المسلمين بمحافظة المنيا، تقول ابنة الأخ «نيفين» إن «أقاربنا فى القاهرة كانوا بيسألوا من وقت لآخر عنّا وعن أحوالنا، وكنا بنطمنهم إننا بخير وإنه مفيش أى إصابات فينا أو حاجة، وكانوا بيسألوا كل يوم عننا بسبب القلق المستمر عندنا وعندهم». احتياجات المنزل من المأكل والأدوية لا تنتهى: «عمى مريض ووالدى ووالدتى مصابين بالضغط والسكر، محتاجين باستمرار ننزل نجيب أدوية، ده غير لو حد تعب محتاجين ننزل بيه للدكتور، وغير الأكل اللى لازم نشتريه يومياً»، تقول «نيفين»، التى تضيف: «إحنا مابقيناش بنقدر ننزل فى أمان، نفسياً بقيت تعبانة وخايفة باستمرار حد يتعدى عليا أو يضربنى أو يموتنى أو يحرق بيتنا علشان بيت مسيحيين، لكن اللى مطمنى إن فيه مسلمين ضد اضطهادنا.. أنا بامشى أقول يا ست يا عدرا. علشان باخاف.. أنا أكتر واحدة ممكن تخاف أصلاً». رغم ما تعانيه «نيفين» ووالدتها من حالة نفسية سيئة نتيجة القلق من تكرار أحداث أربعاء الرابع عشر من أغسطس، فإن «نيفين» لا تنسى ما حدث للكنيسة، تحمرُّ عيناها ويغمرهما الدمع كلما تذكرت الكنيسة المحترقة والصور المنكسة ورفات القديسين التى تم إتلاف بعضها وسرقة بعضها الآخر، بصعوبة فى النطق تقول «نيفين»: «سرقوا أجساد القديسين حتى جسد الأمير تادرس وأبوسيفين ومارجرجس، وحرقوا الهيكل والإنجيل اللى أبونا بيقرا منه». خلسةً أخذت «نيفين» قصاصة -قطعة- من إنجيل راعى كنيسة الأمير تادرس، واحتفظت بها اعتقاداً منها أنها تمنحها البركة: «أخدت حتة من الإنجيل اللى بيقرا منها أبونا علشان أتبارك بيها، وعلشان أفضل فاكرة اللى حصل واحكى إن الكنيسة اتحرقت وده اللى اتبقى منها، كلام ربنا». «حرام وظلم اللى عملوه»، جملة فاعلها ضمير مستتر تقديره «هم»، لكن «نيفين» تخشى اتهام جماعة بعينها كيلا يزيد خوفها من احتمالات التعرض لها فى المستقبل على يد من ستتهمهم، تكتفى السيدة الأربعينية فقط بتلميح تقول فيه: «إيه ذنبنا كنايسنا وبيوتنا تتحرق بسبب السياسة؟». حتى عندما احتشد المئات من المسيحيين أمام أسوار الكنيسة فى موعد صلاة الأحد خافت «نيفين» وأمها من الخروج لمشاركتهم الصلاة: «الصلاة اتعملت وقام بالقداس الأنبا مكاريوس بنفسه، وجِه وحزن على منظر الكنيسة وزعل خالص، وهو بيعمل القداس كان بيعيط».. هذا ما قالته «نيفين»، بينما تغرق عيناها بالدموع، تجيب «نيفين» على سؤال عن سبب الدموع إجابة موجزة: «الخوف.. الشعب كلها كان بيعيط أثناء الصلاة».